: مقتل بنات المنوفية مآسٍ متكررة ومهارب حكومية

masr360 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم تكن حادثة وفاة ثمانية عشر صبية في عمر الشباب وبداية الحياة، هي الحادثة الأولى التي لم تهتز لها جوانب الحكومة، فمنذ فترة ليست بعيدة، كانت حادثة معدية القطا، والتي كانت تحمل أيضا بنات من ذات المحافظة ذاهبات للعمالة في المزارع كذلك. وكالعادة يقف موقف الحكومة عند حد صرف تعويضات لأسر الضحايا، ومتابعة المصابين، والحث على محاكمة الجاني بشكل أسرع، ولم يدر في خلد أي من القائمين على السلطة، أن هذه الأرواح وحمايتها هو صميم عمل السلطة بأكملها، بل هو لب الأمن القومي ذاته.

يعرف تريجر وكرننبرج الأمن القومي، بأنه “ذلك الجزء من سياسة الحكومة الذي يستهدف خلق الظروف المواتية لحماية القيم الحيوية”. ويعرفه هنري كيسنجر، بأنه يعني “أية تصرفات يسعى المجتمع– عن طريقها– إلى حفظ حقه في البقاء. أما روبرت ماكنمارا، فيرى أن “الأمن هو التنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التي لا تنمو في الواقع، لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة”.

ولكن يستوقفني هنا قول الشاعر أحمد النجار:

جميع اللي ماتوا العيال الصغار

وجميع اللي عاشوا ملوك القمار

لكن في حقيقة الأمر، ولو من الناحية النظرية، أن السلطة التي تحكم أمور البلاد والمسئولة عن سلامة الوطن والمواطنين، إنما تَحكم وتٌحكم بنصوص الدستور والقانون، والتي تبين حدود عمل ومسئولية كل سلطة، فإذا كان القانون هو الوسيلة اللازمة لإقرار الأمن والنظام، كما أنه الوسيلة الضرورية لتحقيق التوافق بين الحقوق والمصالح المتضاربة، سواء بين المواطنين وبعضهم البعض، أو بين المواطنين والسلطة الحاكمة، وذلك من أجل حماية سلامة الأفراد وممتلكاتهم والحفاظ على استقرار المجتمع ودوامه بشكل آمن. كما يسعى القانون إلى تحقيق العدالة والمساواة بين كافة طوائف المجتمع وكافة أفراده، ذلك بغض النظر عن منزلة المواطنين الاجتماعية أو مكانتهم أو وظيفتهم أو مدى ثرائهم وقوتهم الشخصية، حيث يجب أن تطبق قواعد القانون على الكافة دون أي تمييز، وهذا ما يضمن تحقيق الاستقرار المجتمعي والانسجام بين أفراد الجماعة. فهل لذلك القول من أي قيمة فعلية حال تكرار حوادث عمالة الأطفال، وذلك فقط بخصوص ما يظهر على سطح الواقع من حوادث، قد لا نعلم منها سوى الحوادث الكبيرة، مثل الحادثة الأخيرة، أو ما سبقها من حوادث مشابهة لها، فما بالنا بمئات الحوادث الفردية التي لا يغطيها الإعلام، أو تم إخفاؤها عن عمد من فاعليها، في ظل غياب رقابة قانونية، تسمح بمنعها أو حتى تتبع مرتكبها، وإن كان حتى بفرض معاقبة الممتهم فيها، لم يغير من الواقع شيئا، بخصوص ضياع حقوق الأطفال.

فإذا كانت الدولة بسلطاتها في حاجة إلى تبيان مدى مسئوليتها عن مثل هذه الحوادث، فتجد أن المسئولية المباشرة تتمثل في مسئولية وزارة الداخلية، بحسب كون أن إدارة المرور تتبعها، وتأمين الطرق وسلامتها من أهم وظائفها، كما أن وزارة النقل لا تغيب عن هذا الأمر في مدى تحققها من سلامة الطرق اللازمة للسير ورقابتها عليها، أم أن الرقابة تقف عن حد “دفع كارتة الطريق” دون البحث عن صيانة الطرق لتحقيق صلاحيتها للسير، وكذلك تقع المسئولية على عاتق وزارة العمل في إخفاقها في تحقيق الرقابة على العمالة الموسمية بشكل كامل، وتغاضيها عن تغطية قطاع كامل من العمالة دون رقابة حقيقية أو سبل تأمينية، متمثلة في التحقق من السن اللازم للعمالة، واشتراطات السلامة المهنية وأمان بيئة العمل، كل ذلك بخلاف مسئولية رئاسة الوزارة، بحسبها هي المسئولة عن كل تلك القطاعات.

وإن كان لا بد من تحميل المسئولية اللازمة لمجلس النواب الذي لا يبدي أي اهتمام رقابي، بما له من سلطة دستورية على كل أعمال هذه الوزارات، بحسبه الجهة الرقابية الرئيسية لأعمال السلطة التنفيذية.

أعود لذلك المشهد الذي لا يتحمله سوى القلوب المتحجرة في جنازة، تضم ثمانية عشر بنتا في سن العرائس، وكأنها زفة إلى الجنة ليعوضهم المولى عن إخفاقات الحكومة في رعايتهن وتحقيق الأمن المعيشي اللازم لهذه الأسر المنكوبة التي دفعت ببناتهن للمساعدة في أية مصروفات لازمة لاستمرار حياة الفقراء، فقد أكدت معظم الدراسات الاجتماعية، على أن الفقر هو أهم العوامل المهيمنة والمؤدية لانتشار العمالة عند الأطفال، إذ أن وجود الأسر الفقيرة يضطرهم إلى الدفع بالأطفال في سوق العمالة، كما أن الأزمات الاقتصادية التي تمر بها الدول النامية، وازدياد معدل الفقر يجعل من المجتمعات الفقيرة سوقا خصبا لعمالة رخيصة من الأطفال، وذلك ما يؤكده أهالي الضحايا، ولما كان الهدف النهائي لأي نظام اقتصادي هو تحقيق أعلى مستوى من الرفاهية للمواطنين، وليس الوقوف عند احتياجاتهم الأساسية فقط، وأن هذا الأمر يتطلب إشباع أدنى قدر من الحاجات الأساسية، بطريقة تتفق وحفظ كرامتهم الإنسانية، كما أنه من البديهي أن نؤكد على أن سياسات السوق لا تسهم في التغلب على الفقر بتشجيعها للاستثمار والتجارة والنمو فقط، ولكن لا بد من ضمان أن لا يكون ذلك الأمر متحيزاً ضد الفقر والفقراء. وكما قالت الدكتورة/ هويدا عدلي في دراسة لها بعنوان “الفقر والسياسات العامة في مصر” أن مراجعة الخصائص العامة للفقر في مصر، تكشف عن أن الفقر ظاهرة معقدة ومتعددة الجوانب، فالفقر يعني عجز فئة من الأفراد والأسر عن توفير الدخل اللازم للحصول على السلع الاستهلاكية التي يحتاجون إليها لتحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة المقبول، وهذا هو اتجاه الرفاهية لقياس الفقر، ومن ناحية ثانية، فإن الفقر يعني عجز فئة من الناس عن تحقيق المستويات الدنيا من الاحتياجات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم والغذاء، والقدرة على المشاركة في أعمال إنتاجية مدرة للدخل.

فهل نجد صدى لكل ذلك لدى الحكومة المصرية؟ أم أن الأمر سيقف عند حد التعويضات التي تتلقاها أسر الضحايا، كما هو المعتاد في مثل تلك الحوادث، وإن كنت أرى أن مثل تلك الحوادث، إنما تستوجب استقالة حكومة بأكملها لعجزها عن معالجة خلل مجتمعي أو ظاهرة مجتمعية، أودت بحياة من رحلوا عنا، ولكونها لم تكن الحادثة الأولى التي واجهتها الحكومة الحالية، ولم ينزعج لها بال، ولا تجد أدنى رقابة عليها، ممن تستوجب رقابتها عليهم.

وهنا يقف حديثي عن قول الشاعر إيهاب البشبيشي في قصيدته غلابة، بقوله:

ومِن لقمة العيش أنفاسُها

وملمسُ كِسراتِها الغائبات

لها يَسندون رؤوسَ الهموم

ويُسْلِمُهم كهفُهم للسُّبات

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" masr360 "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??