لم يتوقف حديث قادة إيران وإسرائيل عن النصر الذي تحقق في حرب الـ١٢ يوما التي اندلعت بينهما، حتى أصبحت من الحروب النادرة في التاريخ التي أدعى فيها الطرفان المتحاربان، إنهما انتصرا، وصرح قادتهما، إنهما انتصرا، وقال مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي: “أبارك هذا الانتصار على الكيان الصهيوني الزائف”، أما الرئيس الإيراني مهدي بزشكيان فقال: إن المقاومة البطولية لأمتنا العظيمة أرست هدنة، ونهاية لهذه الحرب التي فرضتها المغامرة والاستفزاز الإسرائيلي، وتحقق لأمتنا “النصر العظيم” أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد قال: لقد حققنا نصرا عظيما ضد الظالم الذي جاء لتدميرنا”.
وإذا أضفنا لهؤلاء، ما قاله الرئيس ترامب عن انتصار القوات الأمريكية ونجاحها الساحق في تدمير منشآت إيران النووية، وخاصة منشآتها المحصنة في “فوردو”، فنصبح لأول مرة أمام خطاب نصر ثلاثي الأبعاد، ضم الطرفين المتحاربين ومعهما القوي العظمى الأولى في العالم.
والحقيقة، أن ادعاء النصر من كل الأطراف يرجع إلى إنهما جميعا، لم ينتصرا بشكل كامل، ولم يستطيعا تحقيق أهدافهما المعلنة على الأقل بشكل كامل، فإسرائيل وخلفها أمريكا تصورت لحظة اشتعال الحرب، وبعد نجاحها الاستخباراتي في اختراق إيران واغتيال ٢٠ قائدا عسكريا رفيعا، و١٠ علماء نوويين (قتلت إسرائيل ١٧ عالما نوويا إيرانيا في نهاية الحرب) إنها يمكن أن تجبر طهران على الاستسلام وتكرار مشاهد الحرب العالمية الثانية، حين استسلمت ألمانيا بعد تدمير جيشها واحتلال مدنها، وهو ما لم يحدث، وظلت إيران حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار قادرة على الرد، واستهداف أكثر من مدنية داخل إسرائيل، وربما كانت المشاهد المصورة للدمار الذي أصاب مدينة بئر السبع خير دليل على قوة الرد الإيراني.
والحقيقة، أن الهدف الإسرائيلي كان الوصول بإيران لمعادلة تشبه ما جرى مع حزب الله، أي القضاء على الجانب الأكبر من قدراتها العسكرية، وتدمير العدد الأكبر من المنشآت المدنية، وخاصة النووية، ولكنها اكتشفت، أنها دمرت جانبا محدودا من قدرات إيران العسكرية، وعطلت جانبا كبيرا من قدراتها النووية، ولكنها لم تقض عليها بالكامل، وبالتالي لا يمكن القول، إنها حققت نصرا حاسما رغم ادعائها بالعكس.
أما النصر الإيراني الذي باركه المرشد، وقال إنه تحقق على “الكيان الصهيوني الزائف”، فهو في الحقيقة، تمثل في صمودها وقدرتها على الردع، فالنصر الكامل على “الكيان” يعني إضعاف القدرات العسكرية الإسرائيلية بشكل شبه كامل، وإصابتها بضربات قاصمة، أو استهداف المفاعل النووي في ديمونة، وهو ما لم يحدث، إنما يمكن وصف النصر الإيراني في قدرتها في الرد على الغارات الإسرائيلية بهجمات صاروخية، وتحويل أدائها الدفاعي إلى شكل هجومي محسوب.
والواقع، أن مسألة معركة واحدة و”نصران” أمر غير معتاد في الحروب التقليدية، ولم يعتد عليه العالم طوال حروبه الماضية التي كانت فيها نتائج الحروب حاسمة بهزيمة طرف وانتصار آخر، ولأن هناك حروبا جديدة “رمادية” وغامضة، ولا يستطيع كل طرف حسمها بشكل كامل لصالحه، فيدخل فيها الإعلام والصورة ووسائل التواصل الاجتماعي، وحتى “اللجان الإلكترونية” للترويج لأخبار معظمها مزيف، تستغل أنها تتعامل مع حرب غير محسومة نتائجها، وتستثمر في انتصار غير كامل لكل طرف.
من المؤكد، أن قادة إيران وإسرائيل في حاجة إلى التمسك بخطاب النصر، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي ظل منذ سنوات يتحدث عن التهديد الإيراني، وسبق أن دخل في مواجهات محسوبة مع طهران، وبالتالي فإنه بعد الضربات التي لحقت بتل أبيب والمدن الإسرائيلية؛ بسبب الصواريخ الإيرانية، فهل يمكن أن يقول إنه لم ينتصر، خاصة بعد دخول أمريكا الحرب، وإنه حقق تفوقا تكنولوجيا واستخباراتيا؟
إن الثمن الذي دفعته تل أبيب من وراء الهجوم على إيران كان كبيرا، وعليه فإنها استخدمت كل قوتها مع أمريكا لتحقيق انتصار غير كامل، وإنهاء الجولة الأولى من المواجهة المباشرة بينهما.
أما قادة إيران فهم يحتاجون إلى خطاب النصر؛ لأنه يمثل محاولة لإخفاء أثمان الهزيمة أو عدم الانتصار، لأنها إذا لم تكن انتصرت، فلماذا أنفقت مليارات الدولارات على مشروع نووي، اعتبرته القوى الكبرى غير سلمي، ويهدد جيرانها والعالم؟ ولماذا أيضا أنفقت كل هذه المليارات على صناعة صواريخ بالستية، استخدمتها في حرب لم تنتصر فيها؟ وماذا سيقول قادة طهران لشبابهم الراغبين في السفر والتنقل والعيش بصورة طبيعية، بعد أن حاصرتهم العقوبات، إذا كان مقابل كل هذا هو الهزيمة؟ وأخيرا ما جدوى المليارات التي أنفقت على أذرع إيران في لبنان والعراق واليمن وسوريا قبل سقوط نظام بشار الأسد، إذا كانت هذه الأذرع قد سقطت تباعا بإضعاف حزب الله والحوثيين والسيطرة على تحركات الفصائل المسلحة في العراق بجانب سقوط نظام بشار الأسد، وغابت جميعها عن هذه المواجهة.
ربما تكون حصيلة هذه الحرب التي انتصر فيها الجميع، أنها قد تدفع إيران إلى أن تصبح دولة طبيعية، تعتمد أساسا على قدرتها الداخلية وتحالفاتها الخارجية، وليس على أذرعها ووكلائها، كما أنها ربما تدفع إسرائيل إلى إنهاء مجزرة غزة، بعد أن حيدت بشكل مؤقت، ما تعتبره أخطار عليها، بجانب رغبة الرئيس الأمريكي في أن يكون “بطلا” للسلام ووقف الحروب.
أما الخاسرون، فهم شعوب المنطقة الذين اكتووا بنيران الحروب، وخاصة الشعب الفلسطيني الذي دفع ثمنا باهظا لخيار المقاومة المسلحة المدعوم من المشروع الإيراني الذي لم يكن كله من أجل “عيون فلسطين” والقدس، إنما أيضا كان لحماية مشروعها النووي وطموحاتها الإقليمية.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" masr360 "
أخبار متعلقة :