- يقف العالم اليوم على مشارف تحوّل اقتصاديّ جذريّ، تقوده ثورة الذكاء الاصطناعيّ التي تجاوزت كونها مجرد مصطلح تقنيّ لتصبح بمثابة تسونامي تكنولوجيّ يتهيّأ لإعادة صياغة موازين القوى في شتى القطاعات.
- وفي صميم هذا التحوّل، يجد القطاع الماليّ، بتاريخه العريق وأنظمته شديدة التعقيد، نفسه أمام فرصة تاريخية وتحدٍّ وجوديّ في آنٍ واحد.
- فمع وعود بتحقيق إضافة تصل إلى 13 تريليون دولار للاقتصاد العالميّ بحلول عام 2030، لم يعد تبنّي الذكاء الاصطناعيّ خيارًا مطروحًا، بل بات ضرورة حتميّة للبقاء والمضيّ قدمًا في ركب الريادة.
- غيّر أن الواقع يكشف عن مفارقة مثيرة للقلق؛ ففي خضمّ تسارع وتيرة الابتكار، لا يزال التردد يسيطر على المشهد لدى الكثيرين.
- وتشير دراسة حديثة إلى أن ما يزيد عن ثلث صُنّاع القرار في كبريات شركات الخدمات الماليّة بالمملكة المتحدة يُقرّون بعدم جاهزيتهم بعد لخوض غمار هذا السباق المحموم.
- إذًا، كيف بوسع المؤسسات الماليّة، من البنوك العملاقة وصولًا إلى شركات الاستثمار الواعدة، أن تستعد بفعّالية لامتطاء هذه الموجة بدلًا من الانغمار في أعماقها؟ يبدأ الطريق إلى ذلك بخمس خطوات استراتيجية لا غنى عنها.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
5 خطوات استراتيجية للمصارف نحو الذكاء الاصطناعي | ||
أولاً: وضع الخارطة الاستراتيجية... من أين نبدأ؟ |
|
- قبل التعمق في الجوانب التقنية، ينبغي على كل مؤسسة أن تتوقف مليًا لتفحص وضعها الراهن، وتجيب عن سؤال محوري: أين تكمن نقاط الضعف والفرص الكامنة في آليات عملنا الحالية؟
- فالغاية لا تتمثل في أتمتة كل عملية، بل في تحديد المهام الروتينية المتكررة التي تستنزف الجهد البشري، ومن ثم تحرير هذه الطاقات لتُوَجَّه نحو خدمة العملاء وتعزيز الابتكار.
- وسواء تعلق ذلك بتخصيص تجربة العميل، أو تحسين نماذج تقييم المخاطر، أو تسريع وتيرة المعاملات اليومية، فإن التحديد الدقيق للأهداف يمثل الركيزة الأساسية لضمان تحقيق الاستثمار في الذكاء الاصطناعي للعوائد المرجوة منه.
|
ثانياً: الاستثمار في العقول... تحويل الخوف إلى فرصة |
|
- لا تكمن العقبة الكبرى التي تعترض سبيل أي تحوّل تكنولوجي في التقنية بحد ذاتها، بل في الثقافة المؤسسية السائدة.
- إذ غالبًا ما يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه "بديل" يتهدد الوظائف، وهو تصور مغلوط يستوجب تصحيحًا حكيمًا.
- لذا يتحتم علينا إشراك القوى العاملة منذ اللحظة الأولى، وتثقيفهم بأن الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا، بل هو "زميل عمل" فائق القدرات، سيتولى عنهم المهام الروتينية والمضنية.
- ولا شكّ أن هذا التحول سيمنحهم متسعًا من الوقت للتركيز على ما يتميز به البشر حقًا؛ ألا وهو الإبداع، والتفكير النقدي، وبناء علاقات عميقة ومثمرة مع العملاء.
- إن غرس ثقافة الانسجام والتعاون بين الإنسان والآلة هو الضمان الوحيد لنجاح هذا التحول الجوهري.
|
ثالثاً: تشييد الأساس الرقمي... البنية التحتية هي مفتاح السرعة |
|
- يتسم الذكاء الاصطناعي بنهمٍ شديد للبيانات، وتتطلب معالجته الفعالة لها قدرات حاسوبية هائلة وبنية تحتية متطورة.
- إن محاولة تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي المعقدة على بنية تحتية تقليدية أو قديمة، أشبه بقيادة سيارة سباق فائقة الأداء على طريق ريفي وعر؛ حيث سيكون المسعى باهظ التكلفة، وبطيئًا، وغير فعّال.
- وهنا تبرز الأهمية المحورية للشركاء المتخصصين في مجال الحوسبة السحابية ومراكز البيانات.
- فمن خلال توفيرهم لبنية تحتية مُصممة خصيصًا لهذا الغرض، تتسم بالمرونة الفائقة، والأمان المتكامل، والقدرة العالية على التوسع، فإنهم يحررون المؤسسات المالية من عبء التحديثات الباهظة، ويمنحونها في الوقت ذاته منصة قوية للانطلاق نحو آفاق الابتكار والتميز في عالم الذكاء الاصطناعي.
|
رابعاً: رسم مسار واضح... الاستراتيجية أولًا وأخيرًا |
|
- لا يتأتّى النجاح بمحض صدفة؛ بل هو ثمرة تخطيطٍ محكمٍ ورؤيةٍ واضحة. لذا، يتعين على كل مؤسسةٍ أن تضع استراتيجيةً متكاملةً ومفصّلة لنشر الذكاء الاصطناعي.
- على أن تتضمن هذه الاستراتيجية جدولًا زمنيًا محددًا، ومؤشرات أداءٍ واضحة لقياس التقدم، ورؤيةً شاملةً لكيفية تأثير هذا التحول الجذري على جميع الأطراف المعنية، وفي طليعتهم العملاء.
- تضمن صياغة استراتيجيةٍ متأنيةٍ ومدروسةٍ أن يؤدي دمج الذكاء الاصطناعي إلى تحقيق أقصى الفوائد المرجوة.
- وتمتد هذه الفوائد من تقديم خدماتٍ أكثر دقةً وسرعةً وبتكلفةٍ أقل، وصولًا إلى تعزيز خطوط الدفاع الحصينة ضد الجرائم المالية ومكافحة غسل الأموال.
|
خامساً: بوصلة السوق... التعلم من تجارب الآخرين |
|
- لا تقتصر الحكمة على استخلاص العبر من أخطائك فحسب، بل تتعداها إلى استقاء الدروس من إخفاقات الآخرين ونجاحاتهم على حد سواء.
- ويتعين على المؤسسات المالية، في هذا السياق، أن تُبقي بصيرتها متفتحة، لا على منافسيها المباشرين فحسب، بل على القطاعات الأخرى التي سبقتها في هذا المضمار.
- فالذكاء الاصطناعي، على الرغم من قوته المتنامية، لم يخلُ من عثرات أولية، كتلك الحالات من التحيز التي ظهرت في استهداف المستهلكين.
- وإن إمعان النظر في هذه التجارب السابقة يمنح الشركات القدرة على تفادي الوقوع في الأخطاء، وتطبيق أفضل الممارسات منذ البداية، الأمر الذي يصون مكانتها التنافسية ويحافظ عليها.
|
- نستخلص مما سبق أن الحقبة القادمة لن تُبقي على المترددين. فلم يعد الاستعداد لثورة الذكاء الاصطناعي مجرد ترفٍ فكري، بل بات شرطًا أساسيًا للنمو والبقاء ضمن المشهد المالي المستجد.
- ومن ثم، فإن المؤسسات التي تبادر اليوم إلى صياغة استراتيجياتها، وتأهيل كوادرها، وتحديث بنيتها التحتية، هي وحدها من ستحصد ثمار هذه الحقبة الجديدة من الكفاءة، والابتكار، والريادة.
المصدر: وورلد فاينانس
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" ارقام "
أخبار متعلقة :