belbalady.net دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تحت أشعة شمس جامايكا الحارقة، حيث تلمع الأراضي الرطبة وتنبض بالحياة، يعيش مفترس قديم في طور الانقراض.
وينتشر في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية حول العالم قرابة 28 نوعًا من التماسيح. لكنّ نوعًا واحدًا منها فقط نجده في جامايكا، وتحديدًا على طول السواحل الجنوبية من سانت توماس إلى ويستمورلاند.
كان التمساح الأمريكي Crocodylus acutus، الذي كان يُحترم ويُخشى منه عبر الجزيرة، يهيمن منذ فترة طويلة على أشجار المانغروف والبحيرات الساحلية. لكن في السنوات الأخيرة، تم القضاء على أعداده بسبب الصيد غير القانوني، وفقدان مواطنه، وتلوث البلاستيك، بالإضافة إلى القتل الناتج عن خوف مستمر منه بين السكان المحليين.
فأصبحت هذه القضية مهمة لورانس هنريكس في الحياة.

واستحقّ هانريس لقب "حارس التماسيح"، فهو يناضل منذ أربعة عقود من أجل استمرارية هذه الحيوانات. ويُدير ملجأ هولاند باي للتماسيح، وهو مشروع للحفاظ على البيئة في جنوب شرق الجزيرة، مبني على حافة ما يعتقد أنه آخر موطن مناسب للتماسيح في جامايكا.
من هذه الزاوية النائية من الجزيرة، يحاول هنريكس إصلاح سنوات من الأضرار: يعتني بالتماسيح المريضة حتى تُشفى، ويُربي اليافعين ويعيد تكاثرهم في البرية.
وفي حديث له مع CNN، أعرب هنريكس عن "خوف حقيقي بين الناس من التماسيح في جامايكا حيث كثير منهم لا يتحمّلون وجودها. لذا إذا ظهر تمساح في حديقة شخص ما، غالبًا ما يُقتل من أجل لحمه أو لمجرد أن الناس خائفون".
رغم أن التماسيح يُنظر إليها غالبًا على أنها عدوانية وخطيرة، إلا أن هجماتها نادرة جدًا. ورغم صعوبة الحصول على أرقام دقيقة، تُشير قاعدة البيانات العالمية CrocAttack إلى أنه تم الإبلاغ عن 11 حادثة في العقد الماضي بجامايكا، ضمنًا حالة وفاة واحدة العام 2018.
قد يهمك أيضاً
وعليه، يسعى هنريكس إلى تغيير السردية حول هذا الحيوان وتوعية الناس على أنه أقل تهديدًا بكثير ممّا توحي به سمعته.
وُلد هنريكس ونشأ في عاصمة جامايكا، كينغستون، في ستينيات القرن الماضي، وكان شغوفًا دومًا بـ"الكائنات الزاحفة"، مثل العناكب والعقارب والثعابين. لكنّ التماسيح من سرقت قلبه.
وروى لـCNN أنه "كان لدينا الكثير من التماسيح والكثير من المواطن في الماضي، وكنت أربي دومًا نصف دزينة من التماسيح الصغيرة في غرفتي".
في ما بعد، أصبح هذا الاهتمام مهنة. فبعد دراسته في الخارج، وتوسيع معرفته حول الزواحف أثناء عمله مع جمعية الاستكشاف العلمي، وهي مؤسسة خيرية بريطانية، في بليز، عاد هنريكس إلى جامايكا في العام 1980، حيث ذُهل من قلة الحفاظ الفعلي على هذا النوع من التماسيح رغم تصنيفه كحيوان مهدد بالانقراض في العام 1971، بموجب قانون حماية الحياة البرية.
وأضاف "كانت وكالة البيئة تعاني من نقص في الموارد ولا تزال حتى اليوم. ولم يكن هناك أي شخص يتمتّع بالخبرة أو المعرفة بالزواحف".
ملجأ على الحافة
تطوع هنريكس لمساعدة الحكومة الجامايكية، حيث قام بإنقاذ التماسيح وإعادة تأهيلها، بالتوازي مع عمله بصناعة الحمضيات. واستمر في هذه المهمة لنحو عشرين عامًا، قبل أن ينتقل بعدها لفترة قصيرة إلى لندن، المملكة المتحدة. وعندما عاد إلى جامايكا في الـ2010، أطلق ما أصبح معروفًا بملجأ هولاند باي للتماسيح، وهي منشأة مختصة بإنقاذ وإعادة التأهيل والتوعية العامة.

يحتوي الملجأ الذي يقع على حافة منطقة رطبة، على 27 تمساحًا بالغًا، بالإضافة إلى 18 تمساحًا صغيرًا. تُربّى التماسيح الصغيرة في الموقع وعادة ما تُطلق في البرية بعد ثلاث سنوات، فيما تم إنقاذ التماسيح البالغة وإعادة تأهيلها بعدما تعرّضت للحوادث أو تم اصطيادها في الفخاخ، أو وجدت في ظروف مروعة. وأطلق حوالي 90 تمساحًا بنجاح في البرية، خلال السنوات الثلاث الماضية، فقًا لهنريكس.
إحدى التماسيح التي تعيش في الملجأ حاليًا، "زينا"، اكتُشفت وهي تحرس بيضها في منطقة مليئة بالقمامة، كان جلدها لزجًا وأسنانها رمادية بسبب التلوث.
تقول سافانا بوان، سفيرة دولية من "غيتورلاند غلوبال"، الذراع الخيرية لمنتزه الحياة البرية في فلوريدا الذي يساعد على تمويل الملجأ: "منذ أن تم نقلها إلى هنا، شُفي جلد زينا وعادت أسنانها بيضاء. كما تم تربية صغارها في المنشأة وإطلاقها في مناطق آمنة، ما ساعد على زيادة أعداد هذا النوع في البرية". وأردفت في حديثها مع CNN أنّ "لورانس يقوم بعمل استثنائي بموارد محدودة جدًا".
السوق السوداء
رغم الحماية القانونية، تواجه التماسيح في جامايكا تهديدات متزايدة. الصيد غير القانوني منتشر، وغالبًا ما يكون مدفوعًا بالطلب على اللحم أو الخوف المضلّل، وفقًا لضباط من وكالة البيئة والتخطيط الوطنية في البلاد.
يقول ليتون مامدين، مسؤول البيئة في وكالة NEPA: "الصيد غير القانوني يمثّل مشكلة كبيرة، نحاول الحد منها عبر تدابير إنفاذ، مثل المراقبة المنتظمة، والتعاون مع قوة شرطة جامايكا وقوة الدفاع الجامايكية للقيام بدوريات".

ووفقًا للتقارير الإعلامية، هناك سوق سوداء مزدهرة لبيع لحم وبيض التماسيح في جامايكا، حيث يُباع اللحم بمبلغ يصل إلى 5000 دولار جامايكي (31 دولارًا أمريكيًا) لكل 450 غرامًا، أي أكثر بعشر مرات من سعر لحم الدجاج. وثمة اعتقاد لدى البعض في المجتمعات الريفية أن لحم التمساح له خصائص مثيرة للشهوة الجنسية.
وأضاف داماني كالدر، مسؤول بيئي آخر في وكالة NEPA، أنه لاحظ نمطًا مقلقًا خلال عمليات الإنقاذ، إذ يكتشفون أن ذيولها أزيلت. أما السبب فمرده إلى وجود شائعة مفادها أنّ ذيولها تُستخدم لتحسين الأداء الجنسي، أو الخصوبة، أو طول العمر".
في بعض الحالات، عثر على التماسيح في البرك الخلفية للمنازل، حيث يتم الاحتفاظ بها كحيوانات أليفة، أو تُستخدم كديكورات في مقاطع فيديو على تيك توك، أو مقاطع موسيقية.وعثر مرة على تمساح صغير حي داخل ثلاجة مكسورة، وفق كالدر. يعتقد أن ذلك قد يكون جزءًا من طقوس دينية جامايكية مماثلة للفودو، تعرف بـ"أوبيا".
قد تستدعي مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي أحيانًا الملاحقات القانونية، لكن فقط إذا تم القبض على الجناة أثناء القيام بذبك، وفق كالدر. وقد تصل عقوبة الأفراد المدانين بقتل التماسيح إلى دفع غرامة قدرها 100 ألف دولار جامايكي أو السجن لمدة عام.
تدمير المواطن
أفادت إدراة الغابات أنه يتم حاليًا، إزالة المستنقعات والمناطق الساحلية في جامايكا لصالح السياحة والتطوير السكني. وهذا الأمر يؤثر على مرونة البلاد الساحلية، حيث تقوم مستنقعات المانغروف بتقليل طاقة الأمواج والفيضانات، ما يساعد على الوقاية من الفيضانات، كما أنها تضر بالتنوع البيولوجي، لأنها تعمل كمناطق حضانة للأسماك وتوفر موائل أساسية للعديد من الأنواع مثل التماسيح.
ومع تقلص هذه المناطق، يتم دفع التماسيح إلى الاقتراب من البشر.
أوضح هانريكس أن "تلك الحيوانات ينتهي بها المطاف في أماكن لطالما عاشت فيها. لكنها أصبحت راهنًا المدن والطرق.. لقد أخذنا موائلها".
قد يهمك أيضاً
بالنسبة لهنريكس، لا يشكل التمساح تهديدًاـ إنه نوع أساسي كان موجودًا في الجزيرة منذ ملايين السنين. حتى أنه يظهر في شعار النبالة الجامايكي، الذي يظهر تمساحًا جالسًا على خوذة ملكية وأقمشة، تم تصميمه ليرمز إلى الحياة البرية الفريدة والإرث الطبيعي للجزيرة.
وأشار هنريكس إلى "أنهم مثل مهندسي النظام البيئي، يحفرون قنوات، ويتحكمون بأعداد الأسماك، ويحافظون على صحة المستنقعات".
وشرح أنّ وجود هذه الحيوانات المفترسة العليا يساعد على تنظيم التنوّع البيولوجي في النظم البيئية المائية عبر التحكم بأعداد الفرائس، وخلق بيئات مصغرة تدعم أنواعًا مختلفة من النباتات والحيوانات.
لكن هنريكس يحذر من أن الصيد الجائر وفقدان المواطن، يؤثر على صحة النظام البيئي لأنّ "أغلب التماسيح الكبيرة على طول الساحل الآن أصغر حجماً".
تغيير العقلية.. مدرسة تلو الأخرى
رغم التحديات، هناك شعور حذر بالأمل.
لقد كثف هنريكس ووكالة حماية البيئة الوطنية (NEPA) برامج التوعية المجتمعية والتعليم، خصوصًا في المناطق القريبة من موائل التماسيح، لا سيما في المدارس.
عندما تسببت التقارير حول وجود تمساح في بركة مياه قرب إحدى المدارس بذعر بين الأهل والأطفال، وجهت وكالة NEPA جهودها التوعوية نحو الطلاب المحليين.
أخبرناهم أنّ التماسيح تفضل الهروب (منك) عوض الهجوم عليك. وإذا كنت بالقرب من الماء ليلًا، تزوّد بعصا. إذا تم لمس الحيوان، فسيتحرك".
لكن الملاذ، يعتبر بين قلة من جهود الحفاظ على الحياة البرية في الجزيرة، ومن دون الدعم المستمر، يخشى هنريكس ألا تنجو تماسيح جامايكا في العقود التالية.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" trends "
0 تعليق