الحيدري المولود في محافظة ثادق في منطقة الرياض، والحاصل على جائزة ومنحة الملك سلمان (دارة الملك عبدالعزيز) عن بحثه «علي جواد الطاهر وجهوده في التأريخ للأدب في المملكة»، والمؤلف لما يزيد على 23 كتاباً مطبوعاً في الثقافة والأدب، كان أوّلها كتاب «أطياف شعبية» في عام 1413هـ وليس آخرها «وجع الكتابة.. دراسات ومقالات» في عام 1446هـ.
في هذا الحوار أخذنا الحديث مع الدكتور الحيدري إلى بدايات اهتمامه بالكتابة والنقد، والأسماء التي كان لها دور في مسيرته هذه، إضافة إلى عمله في العديد من المؤسسات الثقافية، وقراءته لحركة الثقافة في السعودية.. فإلى نصّ الحوار:
• كيف تشكّل وعيك الثقافي ابتداءً؟
•• تشكّل أول ما تشكّل في المنزل حينما كنت أشارك ابن العم حمد الحيدري القراءة في مكتبته الصغيرة، وحينما كنا نتناقش في بعض المسائل النحوية ونحن نذاكر مقرر النحو في شرح ابن عقيل، وحينما كنا نذهب للمكتبات نبحث عن بعض الكتب الجديدة مثل: كتب عبدالكريم الجهيمان، وكتب عبدالله بن خميس وغيرهما، وكنت وقتها في المتوسطة وأوائل الثانوية، وابن العم يكبرني بأربع سنوات.
• متى شعرت أنّك معنيٌّ بالكتابة والنقد؟
•• حين التحقت بالصحافة محرراً في الصفحات الثقافية عام 1991 في جريدة «المسائية»، وحين سجّلت رسالتي في الماجستير دارساً للسيرة الذاتية في الأدب السعودي عام 1993، وحين سجّلت رسالتي في الدكتوراه عام 1997 التي جمعت فيها أعمال حسين سرحان النثرية ودرستها، وقبل الماجستير وبعدها كانت لي عدة مشاركات في الأندية الأدبية وملتقياتها وشاركت بعدة بحوث، كما نشرت عدة مقالات وبحوث في الصحافة السعودية، واخترت منها ما يصلح للجمع، ونشرتها في كتابي الجديد «وجع الكتابة.. دراسات ومقالات» الصادر هذا العام (2025) في الرياض.
• أسماء كان لها دور كبير في مسيرتك الأدبيّة والعلميّة.
•• ثمة أسماء أدين لها بالفضل بعد الله في دعم مسيرتي، وفي المقدمة الدكتور إبراهيم الفوزان -رحمه الله- الذي أشرف على رسالتي في الماجستير والدكتوراه، والدكتور محمد الربيّع الذي شجعني على الالتحاق بالنادي الأدبي بالرياض وفي لجانه وفي دارة الملك عبدالعزيز، والأستاذ سعيد الصويّغ الذي أسهم في دعم مسيرتي الصحفية والإشراف على الصفحات الثقافية في جريدة «المسائية»، وهناك الأستاذ محمد بن عثمان المنصور في إذاعة الرياض، وهناك الزميل الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد الذي استفدت منه الكثير بحكم الزمالة في كلية اللغة العربية نحو 20 عاماً، والدكتور عبدالله الوشمي في أثناء مزاملتي له في النادي الأدبي بالرياض.
• كيف ترى النقد الأدبي في المشهد الثقافي السعودي اليوم؟
•• أنا باحث ولست ناقداً، وإنْ كنت مارست النقد الأكاديمي في رسالتي الماجستير والدكتوراه وفي بحوث الترقية، ولكن لا أرى أن هذه الأعمال كلها تدفع بي إلى أن أكون ناقداً. النقد حرفة تحتاج إلى متابعة ممتازة للنصوص وعمل مقاربات لها وقراءات تُنشر في وسائل الإعلام، ثم تُجمع في كتب فتنفع المبدعين، وأرى حالياً وجود فجوة كبيرة بين المبدعين والنقاد، إذ لا نكاد نرى متابعة جادة لكل ما يصدر من أعمال إبداعية أو نصوص تنشر هنا وهناك، وشجعت وسائل التواصل على النشر دون فحص وتقويم أولي كما كان يحصل في وسائل الإعلام التقليدية وخصوصاً الصحف والمجلات، ومال عدد من المتذوقين للنصوص وبعض النقاد والأساتذة الجامعيين إلى المجاملة حين يستخدمون علامة الإعجاب أو إعادة التغريدة في «إكس» أو «فيسبوك»، كما أن المحفزات المادية والمعنوية السابقة من الصحف والمجلات للنقاد وطلب مقالات نقدية توقفت أو كادت، ويكفي أن نعرف مثلاً أن معظم مقالات علي الطنطاوي أو العقاد أو طه حسين، أو حسين سرحان أو عبدالفتاح أبومدين كُتبت بطلب من الصحافة أو الإذاعة، ثم جُمعت في كتب.
• عملت في مؤسسات ثقافية مختلفة وما زلت تعمل في بعضها، كيف تقيّم دور هذه المؤسسات في حراكنا الثقافي؟
•• نعم عملت في النادي الأدبي بالرياض، وفي جمعية الأدب العربي في مكة المكرمة، وتعاونت مع نادي جدة ونادي الباحة عضواً في لجان علمية، والآن تشهد الأندية الأدبية مرحلة تحوّل إلى جمعيات، ونتفاءل خيراً بعمل مؤسسي يكمل عمل الأندية ويشرك الشباب ويتفاعل مع المتغيرات، وآمل التوفيق لجميع الزملاء العاملين حالياً في الحقل الثقافي. وشخصياً لم أتوقف عن العمل الثقافي بعد خروجي من النادي الأدبي بالرياض عام 1438هـ/ 2017 بل اكتسبت عضويات عديدة؛ فأنا حالياً عضو مجلس إدارة جمعية العناية بالمكتبات الخاصة، وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للغة العربية، وعضو المجلس الاستشاري في قيصرية الكتاب، وعضو الهيئة الاستشارية لمجلس أوراف الأدبي.
• أنت متتبّع لحركة الثقافة في المملكة ودول الخليج، كيف تنظر لحال المنتديات الأدبية والملتقيات الثقافية اليوم مقارنة بالماضي؟
•• لدي حنين للماضي حينما كنا نسعد بدورات المهرجان الوطني للتراث والثقافة كل عام، وعندما كانت تعقد ملتقيات الأندية الأدبية في كل المناطق، وبعدها دورات سوق عكاظ، وفي الخليج ثمة ملتقيات مهمة بدأت تتراجع. وعموماً أنا متفائل بوجود وزارة الثقافة بهيئاتها المختلفة، وهي تنهض حالياً بأعمال مؤسسية نوعية، ورأينا بواكير هذه الأعمال في الشريك الأدبي، وفي جمعية الأدب المهنية وفي ملتقيات الأدباء التي عُقدت في أبها والطائف وحائل، ويُنتظر أن تُعقد في مدن أخرى بحول الله. كما أن واقع الصالونات الثقافية حالياً في ازدهار وهناك أحياناً نقل مباشر للفعاليات.
• هناك جدل كبير في أوساط الأدباء والمثقفين حول الجوائز الأدبية، هل أنت مع الجوائز؟ وهل ترى أن هذه الجوائز تحسن اختيار الأعمال الفائزة؟
•• ظهرت لدينا في المملكة عدة جوائز كان لها أثر وتأثير وتحفيز للأدباء والباحثين والمبدعين وبعضها تُخصص في أفضل الكتب الصادرة، ولكن من عيوبها التعثر والتوقف بعد سنوات محدودة بسبب توقف الدعم لها، ولم نرَ جائزة منتظمة مثل جائزة الملك فيصل، ومن المفرح تبنّي وزارة الثقافة لعدد من الجوائز، وهي جوائز ينتظر لها الانتظام والاستمرارية لوجود المظلة الرسمية لها والدعم، وأطالب بالمزيد من الجوائز التي تغطي حقول المعرفة كافة وتنصف الباحثين في جميع المجالات، وأن يظفر الشباب بعدد منها، كما أطالب بمزيد من التحري والرويّة في اختيار المحكّمين المنصفين، وأتمنى أن تحصل أعمال الناقد المميز حسين بافقيه على جائزة محلية تنصف عمله المتواصل في خدمة الأدب والثقافة في المملكة.
• الرسائل الجامعية في حقول الأدب اليوم كثيرة ومتعددة، وهناك من يرى أنها ضعيفة إذا قورنت بالقليل المميّز في أوقات سابقة، كيف ينظر الدكتور عبدالله الحيدري لمثل هذا الرأي؟
•• رصدت ما يزيد على ألف رسالة جامعية في الماجستير والدكتوراه درست الأدب السعودي والأدباء السعوديين، ولكنني لا أزعم أنني اطلعت عليها كلها، صحيح أنني قرأت عدداً منها أثناء إعدادي للماجستير والدكتوراه، ثم أثناء إشرافي على بعض منها أو مناقشتها، ولكن من الصعب الحكم عليها، مع أنني أميل إلى أن الرسائل القديمة أقوى وأكثر رصانة علمية بدليل أن بعضها تحوّل إلى مراجع يكثر ورودها في معظم الدراسات والبحوث التي أُنجزت بعدها، ومن الأمثلة: أعمال محمد الشامخ، وأعمال محمد بن سعد بن حسين، وأعمال عبدالله أبو داهش، ورسالة محمد العوين في الماجستير عن المقالة، ورسالة سحمي الهاجري عن القصة القصيرة، ورسالة سلطان القحطاني عن الرواية السعودية، ورسالة عبدالله حامد عن أدب الرحلة، وغيرها من الرسائل، وهناك رسائل ممتازة وهي التي درست الشعر في بعض مناطق المملكة، ومن أهمها: رسالة خالد الحليبي عن الشعر في الأحساء، ورسالة حسن النعمي عن الشعر في جازان، ورسالة خالد الحافي عن الشعر في الرياض، ورسالة أحمد التيهاني عن الشعر في عسير. أما الرسائل الحديثة فهي تتفاوت في مستواها، وأعترف بوجود ضعف في بعضها، وهي مسألة نسبية إذ هناك فوارق كبيرة بين الأجيال السابقة وبين الأجيال الحالية في التحصيل العلمي والصبر والتحمل والطموح. ومما يؤخذ على الرسائل الحديثة التكرار في بعضها، ويكفي أن نعرف أن 50 باحثاً وباحثة تصدوا لدراسة أدب غازي القصيبي، في حين لم نجد رسالة تدرس شعر عبدالله جبر، أو شعر إبراهيم العواجي، وأرى لتلافي التكرار والازدواجية الاستعانة بقاعدة المعلومات المهمة التي نهض بها كرسي الأدب السعودي عن الرسائل الجامعية في الأدب السعودي، ومن المهم الاطلاع عليها قبل تسجيل أي موضوع.
• هل أنت مع النقد المسالم والناقد الوديع؟
•• أنا مع الفصل بين النص وصاحبه، وأرى أن يتجه الناقد بكل شجاعة لتقويم النص وبيان محاسنه وعيوبه، في حين يجب أن يكون مسالماً ووديعاً مع صاحب النص احتراماً وتوقيراً.
• ما أبرز التحديات اليوم التي تواجه الأستاذ الجامعي والناقد أيضاً؟
•• استخدام الذكاء الاصطناعي في إعداد البحوث الموجزة ذات الصفحات القليلة، أو في الماجستير والدكتوراه، والحمد لله أنني تقاعدت قبل انتشار استخدامه. أما الناقد فقد فَقَد المحفّزات التي كانت تمنح للكتّاب والنقاد في الماضي، إذ كانت هناك محفزات معنوية ومادية لم تعد موجودة حالياً في صحافة اليوم، ومن هنا فهناك حالة ركود في النقد على مستوى العالم العربي، مع وفرة الإنتاج الإبداعي وانتظام صدوره تقريباً. وهناك أسماء مهمة في الساحة تملك أدوات الناقد المتمكن، وأتمنى أن تُستقطب من خلال الصحف والمجلات، وأخص الدكتور ظافر بن غرمان العَمري، والدكتور سامي العجلان، والدكتور سعود اليوسف.
• كتاب تعود إليه دائماً؟ ولماذا؟
•• الكتاب هو «قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية» الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز عام 1435هـ/ 2014 في ثلاثة مجلدات؛ إذ هو مرجع مهم ورصين لا يستغني عنه متخصص في الأدب السعودي، وهذا هو سبب تكرار عودتي له واستعانتي به في معظم بحوثي المحكّمة ومقالاتي، بل وبعض تغريداتي، وأتمنى أن تُعاد طباعته بعد تحديث معلوماته وإضافة تراجم جديدة له.
• نصيحة -بعد كلّ هذه السنوات في الكتابة والبحث والإعلام- للجيل الجديد من الكتّاب والنقاد والإعلاميين.
•• الجيل الجديد فُتحت له نوافذ لم يعرفها جيلي، ولديهم مهارات في البحث لا نملكها، ولذلك فقد أكون أنا بحاجة إلى خبراتهم وتجاربهم!
وكنت ألحّ على طلابي في مقرر «البحث» عندما كنت أدرّس طلبة الدكتوراه بالاهتمام بالكتب (الببلوغرافية) التي تُكشّف المجلات والصحف القديمة فهي مفاتيح العلوم للوصول إلى المعلومات بسرعة فائقة، والآن مع الذكاء الاصطناعي ربما تغيّرت الموازين!
أخبار ذات صلة
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" جريدة عكاظ "
0 تعليق