تساؤلات تعديلات “الإيجار القديم”.. أين تتركز العقود؟
يحسم مجلس النواب، اليوم الأربعاء، مصير قانون الإيجار القديم بعد إرجاء المناقشات لعدم “استعداد الحكومة”، فيما يتعلق بالبيانات حول التركيبة العمرية والاجتماعية والجغرافية للمستأجرين، وأماكن كثافاتها وتركزاتها.
تظهر المناقشات التي تمت في مجلس النواب حقيقة واضحة، مفادها أن الاعتقاد السائد بتركز شقق الإيجار القديم في المناطق الراقية القديمة بوسط القاهرة، هو اعتقاد خاطئ، مبنى في الأساس على انتفاع مجموعة من المشاهير بذلك القانون في تلك المناطق.
تتوزع وحدات الإيجار القديم بمصر بجميع أنحاء الجمهورية، لكن النسبة الأكبر منها تتركز في القاهرة الكبرى، ومحافظة الإسكندرية، وتضم تلك المحافظات حوالي 83% من إجمالي الإيجار القديم، فالقاهرة تضم النصيب الأكبر بنحو 670,857 ألف أسرة، تليها محافظة الجيزة بنحو 308,091 أسرة، ثم محافظة الإسكندرية بنحو 213,147 أسرة، ثم محافظة القليوبية بنحو 150,961 أسرة.
استئثار المحافظات الأربع بالنسبة الأكبر من الإيجار القديم طبيعي، فهي المحافظات التي هاجر إليها سكان الريف والصعيد بجميع أنحاء مصر، بحثا عن حياة أفضل وفرص عمل في عهد حكومات ثورة يوليو.
تراجع كبير في أعداد الإيجار القديم دون قانون
وفقا لتعداد السكان الأخير (2017)، فإن عدد الأسر التي تقيم في وحدات مؤجرة إيجار قديم قرابة 1.7 مليون أسرة بواقع 7% من إجمالي عدد الأسر البالغ عددها حينها نحو 23.4 مليون أسرة.
افترض التعداد أن متوسط عدد أفراد الأسر حوالي 4.02 أفراد، إذ أكد أن الـ 23.4 مليون أسرة يعادلون حينها حوالي 94.7 مليون شخص، ومع تطبيق الفكرة ذاتها على أسر الإيجار القديم، يصبح عدد المنتفعين بالإيجار القديم حوالي 6.1 ملايين شخص.
المفارقة تظهر، أن عدد المنتفعين بالإيجار القديم تتراجع تلقائيا بدون إصدار قانون في الأساس، إذا قارنا تعداد 2017 بتعداد 2006 بفعل التسويات التي تتم بين الملاك والمستأجرين، ففي تعداد 2006، كانت عدد الأسر 2.62 مليون أسرة تمثل 15% من عدد الأسر، أي أن عدد الأسر المنتفعة بالقانون القديم، انخفضت بنحو مليون أسرة أو 4 ملايين فرد في 11 عامًا.
الإحصائيات الأهم بالنسبة للمسئولين الحكوميين هي عدد الوحدات السكنية المؤجرة بنظام الإيجار القديم، وليس الأفراد، ففي تعداد 2017 بلغ عدد الوحدات المؤجرة بذلك النظام نحو 3.2 ملايين وحدة بواقع 7% من إجمالي عدد الوحدات.
وتقع 69% من الوحدات في محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية، وفي مقدمتها القاهرة بعدد وحدات نحو 1.2 مليون وحدة بنسبة 36%، والجيزة، بعدد وحدات 562.135 ألف وحدة بنسبة 19%، والإسكندرية، بعدد وحدات 269.403 ألف وحدة بنسبة 9%، والقليوبية، بعدد وحدات 150.961 ألف وحدة بنسبة 5%.
مقارنة تعداد 2017 بتعداد 2006، تظهر تراجعا عنيفا في عدد وحدات الإيجار القديم، إذ بلغت في 2006 نحو 5.53 ملايين وحدة بنسبة 20% من إجمالي الوحدات، بانخفاض قدره نحو 2.5 مليون وحدة، تعادل 45% أي أن عدد شقق الإيجار القديم تراجعت بنسبة 45% في خلال 11 عامًا فقط.
من يدفع؟
النسبة الأكبر من دافعي الإيجار القديم تتركز في فئة أقل من 50 جنيها، بإجمالي 595,987 أسرة، بنسبة 36%، تليها فئة (50 إلى 100 جنيه) بعدد أسر 327,643 أسرة، بنسبة %20، ثم (100 إلى أقل من 200 جنيه) بإجمالي 307,359 أسر، بنسبة 18%، وفئة (من 200 إلى أقل من 900 جنيه) بعدد أسر (409,939) أسر، بنسبة 24%، وأخيرا من 900 جنيه فأكثر بعدد أسر (1942) أسرة، بنسبة 2%.
كيف سيتم التعويض؟
بحسب القانون الحكومي الذي يثير الجدل، فإن العلاقة الإيجارية ستنتهي في خلال سبع سنوات، ما يؤكد أن السوق العقارية يجب أن توفر مئات الآلاف من الوحدات السكنية على الأقل من أجل استيعاب من تنتهي عقودهم الإيجارية.
كانت تلك النقطة السبب الجوهري في تأجيل نقاشات مجلس النواب للقانون إلى اليوم الأربعاء، والتي جاءت تحت دعوى عدم تقديم وزيرة التنمية المحلية بيانات واضحة عن الأراضي الصالحة لبناء مساكن بديلة لهؤلاء المستأجرين، وعدم وجود خطة مالية لدى الحكومة لبناء تلك المساكن البديلة.
ووفقا للمهندس أحمد صبور، عضو مجلس الشورى ورئيس شركة عقارية ضخمة، فإن الطلب السنوي على العقار في مصر يقترب من مليون وحدة مع عجز متراكم يصل لـ4 ملايين وحدة، وهو أمر يعني أن الحكومة ستواجه معضلة ضخمة في توفير وحدات سكنية لمستأجري الإيجار القديم، خاصة أن كمية الغضب بين الطرفين “المستأجرون والملاك” توحي باستحالة توقع عقود جديدة بينهما، وأن مصير المستأجرين سيكون البحث عن مكان جديد.
للتدليل على ضخامة تلك الأرقام يمكن الرجوع لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التي أكدت، أن إجمالي عدد الوحدات السكنية المنفذة بواسطة القطاع (حكومي/عام وأعمال عام- خاص) في العام 2022/2023، كانت حوالي 240 ألف وحدة سكنية، وهو عدد لن تبنيه الدولة مجددا، بعدما وضعت في العام الحالي سقفا للاستثمارات العامة بحوالي تريليون جنيه.
لماذا تستمر عقود الإيجار القديم وأين تتركز؟
المشكلة الأخطر عبر عنها رئيس لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب، حينما قال عن الإيجار القديم: إزاي نقول لساكن في المهندسين روح اسكن في الأسمرات؟ وهي نقطة أثارت جدلاً حول الأحياء التي تركز فيها الإيجار القديم، والتي لم تقدم الحكومة بشأنها معلومات كامة.
الاعتقاد الحكومي بأن عقود الإيجار القديم تتركز في مناطق وسط البلد وأحياء الزمالك والمهندسين والمنيل والعجوزة والدقي قاصر، فالواقع على الأرض يشير إلى أن التركز أكبر في المناطق الشعبية وتخوم الأماكن الراقية، أو التي تسميها الحكومة مباني عشوائية وغير مخططة.
يصطدم تعديل القانون أيضًا بوجود فئات منكشفة اجتماعيًا، تعتمد على مهن هامشية غير مستدامة، لا تستطيع تحمّل الزيادات المقترحة بأي سيناريو، ولا يمكنها حتى الانتفاع بوحدات الدولة الخاصة بمحدودي الدخل، إذ تعيش يوما بيوم، ولا تملك مقدمًا للدفع أو قدرة على دفع أقساط.
في ظل قصور البيانات الرسمية وعدم تحديثها، تبقى مواقع التسويق العقاري التي يعلن فيها البائعون عن الشقق وسيلة لرصد واقع الإيجار القديم في مصر، فحتى كتابة هذه السطور لا تزال عقود إيجار قديم يتم توقيعها في شوارع عين شمس وشبرا الخيمة والهرم وفيصل وإمبابة والوراق وغالبية أحياء مدينة نصر.
النمط الجديد لعقود الإيجار القديم، يعتمد على أن تكون الشقة على الطوب الأحمر أو نصف تشطيب، ويقوم المستأجر بدفع مبلغ حوالي 100 ألف جنيه للمالك، ويقوم بتشطبيها على حسابه، ويظل ينتفع بها مدة تتراوح بين 30 و50 عامًا مع دفع مبلغ شهري ألف جنيه، وهي عقود شبيهة بالمشاركة، أي أن المستأجر بيشطب مقابل خصم قيمة ذلك التشطيب من الإيجار الشهري على المدى البعيد.
شعبية تلك العقود تنبع من عجز المالك عن التشطيب الذي تصل تكلفته حاليا لحوالي 250 ألف جنيه في المتوسط على حسب مساحة الشقة، والمستأجر يريد استقرارًا، وأن يرحم نفسه من عقود الإيجار الجديدة التي تضعه تحت طائلة التهجير المستمر من المالك الذي لا يلتزم بالعقد الذي لا يزيد على 3 أعوام، ولا يلتزم بنسبة الزيادة المقررة بنسبة 10% سنويًا.
في أحياء السيدة زينب لا تزال عقود الإيجار القديم توقع أيضاً حتى الآن، لكن بدفع “خلو رِجل” بمبلغ 300 ألف جنيه في المتوسط، مع دفع إيجار شهري بحوالي 1500 جنيه، ويُقبل عليها الذين ترتبط أعمالهم بوسط القاهرة، وليس لديهم القدرة على شراء شقق تمليك بها.
فكرة العقود الجديدة تتماشي مع فكرة عقود الإيجار القديم وقت نشأتها، فحينها كان هناك ما يسمى بـ”خلو الرجل” ومعظم الملاك دفعوا مبالغ كبيرة حينها ففي عام ١٩٩٥، إذا دفعت 18 ألف جنيه (تعادل 144 جرام ذهب)، فإن ذلك المبلغ حاليًا يعادل 677 ألف جنيه.
الملاك في المقابل، يرون أن المبلغ الحالي الذي يتم دفعه للإيجار، ولا يتجاوز 10 جنيهات في كثير من الوحدات غير منطقي، وبالتالي لا بد من تحرير العلاقة الإيجارية للتوصل لصيغة عادلة، ومنح المالك حق فسخ العقد.
لماذا دخلت الحكومة عش الدبابير؟
النائب أحمد بلال البرلسي، عضو مجلس النواب عن حزب التجمع، يرى أن الحكومة بقانون الإيجار القديم ليست منحازة للمالك أو المستأجر، لكنها منحازة للملاك الجدد لشركات الاستثمار العقاري التي انتشرت أسماؤها على كل شوارع وعقارات وسط البلد، وهي شركات تريد استيراد مشروع تطوير، تعمل في مدينة صحراوية (يقصد دبي) إلى مدينة عمرها 1000 سنة مثل القاهرة.
أضاف أن الحكومة ستترك المواطن، المالك، والمستأجر، يحلون خلافاتهم مع بعضهم البعض، وستهتم فقط بشركات الاستثمار العقاري، وعينيها فقط على الضرائب العقارية، تفكيرها في استخدام الضرائب لسداد فوائد الديون التي تم التحذير منها مرارا وتكرارًا.
لكن مصدر حكومي نفى تلك الاتهامات، وأكد، لـ”مصر 360″، أن القضية ليس لها علاقة بوسط القاهرة، وتتعلق بانهيار الثروة العقارية في مصر، ففي ظل الإيجار القديم يرفض المالك القيام بالصيانة؛ لأن العائد من العمارة منخفض، والمستأجر يرفض هو الآخر؛ لأنه ملتزم بوحدته وتكون النهاية انهيار العقارات، مثلما حدث في السيدة زينب أخيرا.
بحسب بعض الدراسات، فإن نسبة 15% من الثروة العقارية في مصر تحتاج إلى إحلال وتجديد وصيانة فورية؛ بسبب غياب الصيانة، وهي نسبة ضخمة، إذا عرفنا أن حجم الثروة العقارية في مصر 10 تريليونات جنيه، تعادل أكثر من 43 مليون عقار، أي أن العقارات التي تحتاج لإحلال تعادل 6 ملايين عقار.
لكن رهان الحكومة على الإيجار القديم في حل مشكلة الصيانة سيواجه مشكلة أيضًا في الورثة، فكريم الشافعي، رئيس مجلس إدارة شركة “الإسماعيلية للاستثمار العقاري” التي تمتلك عقارات بوسط القاهرة، وتتولى تطويرها وتأجيرها، اشتكت من طول عمليات البحث عن الملاك وورثتهم، قائلاً: “من بين 50 أو 60 وريثا، لأحد العقارات في المنطقة، ظللنا نبحث لفترة طويلة عن أحد الورثة، حتى وجدناه في أحد سجون سوريا، وحصلنا على توكيله للتسوية مع أسرته، ولكن لم تنته القصة عند هذا الحد، فهناك من هاجروا إلى دول أخرى في السبعينات، وغيروا أسماءهم”.
أضاف: “في إحدى عمارات وسط البلد، استغرقت عمليات البحث وتسوية الأوراق القانونية أكثر من 3 سنوات مع أكثر من 130 وريثا، لكن لعدم القدرة على الوصول إلى كافة الورثة، فشلت إجراءات الاستحواذ على العقار”.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" masr360 "
0 تعليق