belbalady.net يقف لبنان اليوم عند مفترق طرق تاريخي، بعد عقود من الصمت أو التسويات المرحلية تجاه سلاح "حزب الله"، الذي بات يُنظر إليه داخليًا وخارجيًا كعقبة أمام استقرار الدولة اللبنانية واستعادة سيادتها الكاملة.
زيارة المبعوث الأميركي توماس باراك إلى بيروت، وتسليم ورقة خريطة طريق واضحة لنزع سلاح الحزب، وضعت الجميع أمام لحظة حسم غير قابلة للتأجيل أو التسويف.
لكن في المقابل، لا تزال المعادلة الداخلية مرتبكة، والدولة اللبنانية عاجزة حتى اللحظة عن اتخاذ قرار جامع، بينما الحزب يلوح بخيارات بديلة لبقاء سلاحه، من بينها التحول نحو الحدود الشرقية مع سوريا بدلا من الجنوب، في خطوة تقرأها واشنطن وبعض الأطراف بأنها محاولة لتثبيت موقعه في المشهد اللبناني بالقوة.
خارطة الطريق الأميركية.. مراحل واضحة وضغوط متزايدة
الورقة الأميركية التي حملها توماس باراك إلى بيروت، لا تترك مجالا للغموض، فهي تتضمن خطة من مراحل زمنية متدرجة لتسليم حزب الله سلاحه بالكامل، على أن يُستكمل ذلك في نوفمبر المقبل.
مقابل ذلك، تتوقف إسرائيل عن استهداف عناصر الحزب عسكريًا، وتُفرج واشنطن عن أموال إعادة إعمار المناطق المدمّرة جنوبًا، وتُشرف على إطلاق الأسرى المرتبطين بالحزب.
كما تدعو الخريطة إلى تحسين العلاقات مع سوريا، وإجراء إصلاحات مالية لبنانية جذرية، الأمر الذي يشير إلى ربط المسار العسكري السياسي في الداخل اللبناني بمصير شبكة علاقاته الإقليمية.
ارتباك داخلي وشلل مؤسساتي
الاجتماعات في قصر بعبدا بين ممثلي الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية جوزيف عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام)، لم تثمر حتى الآن عن موقف واضح.
سلام أكد ضرورة "حصر السلاح بيد الدولة"، لكنه اصطدم بجدار مواقف غير حاسمة، إن لم تكن معرقلة، من قِبل قوى سياسية تتحالف أو تتقاطع مع "حزب الله".
لخص الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد خالد حمادة، في حديثه لبرنامج التاسعة على "سكاي نيوز عربية"، هذا التخبط بقوله: "القرار لا يجب أن يبقى رهينة لجنة ثلاثية؛ إنه من اختصاص الحكومة، وإذا لم تُتخذ خطوات تنفيذية الآن، سنبقى ندور في حلقة مفرغة".
ويحذر حمادة من أن "العدّ التنازلي بدأ فعلا منذ توقيع وقف إطلاق النار الأخير"، مشيرًا إلى أن واشنطن لن تنتظر طويلًا قبل اتخاذ خطوات منفردة.
حزب الله بين فقدان المبررات والتحول نحو الشرق
واحدة من أبرز المعضلات التي تواجه "حزب الله" هي فقدانه المتسارع للشرعية الرمزية التي طالما استند إليها لتبرير احتفاظه بسلاحه. آخر هذه الضربات جاءت من داخل البيت الدرزي، حين أعلن وليد جنبلاط أن "مزارع شبعا سورية"، ناسفًا بذلك حجر الزاوية في خطاب الحزب المقاوم.
تؤكد تقارير إسرائيلية، أبرزها من القناة الثانية عشرة، أن هناك اتجاها لدى تل أبيب للاعتراف رسميًا بأن مزارع شبعا سورية، ضمن اتفاق متوقع مع سوريا يتضمن تنسيقا استخباراتيا أمنيا بين الجانبين، في إطار معركة مشتركة ضد الحزب وإيران. هذا يعني باختصار، أن مبرر "المقاومة لتحرير الأرض المحتلة" يفقد آخر أنفاسه.
وفي ظل هذه المتغيرات، تروج مصادر عن احتمال أن يعيد "حزب الله" تموضعه نحو الحدود الشرقية مع سوريا، بذريعة مواجهة "أي تطرف يأتي من الأراضي السورية". وهو ما اعتبره العميد حمادة محاولة فاشلة لكسب وقت إضافي: "الجيش اللبناني لديه القدرة على الانتشار وضبط الحدود. حزب الله ليس مفوضًا بالدفاع عن لبنان أو مراقبة حدوده، هذا دور الدولة فقط".
الجيش والشرعية الدولية: أدوات الدولة جاهزة ولكن...
حمادة، الذي خدم أكثر من 37 عامًا في المؤسسة العسكرية اللبنانية، يؤكد أن مقولة "الجيش لا يستطيع نزع سلاح حزب الله لأن ذلك قد يؤدي إلى حرب أهلية" هي "كلام بلا قيمة".
ويضيف: "الحكومة تمثل كل اللبنانيين، والجيش يمتلك شرعية دولية ودستورية. ليس على الجيش أن يشتبك، بل أن يفرض الأمن عبر مناطق عسكرية مقفلة بالتنسيق مع الدولة، وهذا ما لن يجرؤ الحزب على منعه".
بل ويذهب إلى أبعد من ذلك حين يشير إلى أن الحزب نفسه غير متماسك داخليا، مستشهدا بالاشتباكات الأخيرة داخل الضاحية بين عشيرتين شيعيتين: "إذا كانت بيئة الحزب نفسها غير مستقرة، فكيف له أن يهدد أمن البلد؟".
القرار السيادي.. هل يُنتزع من الطاولة إلى مجلس الوزراء؟
يشدد العميد حمادة على أن الوقت قد حان لنقل هذا الملف الحاسم من دهاليز اللجان والتسويات إلى مجلس الوزراء: "ليس هناك لجنة ثلاثية يمكنها أن تحل محل السلطة التنفيذية. مجلس الوزراء هو صاحب القرار، وما يصدر عنه يوقّعه رئيس الجمهورية ويصبح قرارًا سياديا".
ويؤكد أن الدستور اللبناني يضع مسألة السلم والحرب تحت سلطة الحكومة، وليس بيد أي جهة سياسية أو مسلحة.
سلاح الداخل.. من المقاومة إلى السيطرة على القرار
يرى حمادة أن سلاح "حزب الله" لم يعد مرتبطًا بمشروع مقاومة، بل أصبح أداة داخلية لتحصيل النفوذ السياسي وتكريس الفساد. ويقول: "كل هذا السلاح داخل لبنان هو لابتزاز الدولة. منظومة الفساد تتحالف مع هذا السلاح للحفاظ على مصالحها".
ويذكر بأن انسحاب الحزب من منطقة جنوب الليطاني، بناءً على تفاهمات سابقة، يُفقده فاعلية عسكرية حقيقية في مواجهة إسرائيل، وهو ما يفضح الطابع الداخلي لاستخدام سلاحه.
لحظة الحقيقة
لبنان أمام مفترق طرق مصيري.. إما أن يتخذ القرار الشجاع في مجلس الوزراء بنزع سلاح "حزب الله" تحت مظلة الشرعية الدولية والدستور، أو يستمر في دوامة الانقسام والتسويف التي قد تنهي ما تبقى من الدولة.
الإشارات الدولية باتت صارمة، والغطاء الإقليمي يتآكل، والبيئة الداخلية بدأت تطرح الأسئلة الصعبة. وفي المقابل، الحزب ما زال يلوّح بورقة "التهديد" التي لم تعد تخيف بقدر ما تكشف مأزقه. كما لخصها العميد خالد حمادة: "الدولة اللبنانية تمتلك كل عناصر القوة.. فهل تملك القرار؟"
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" yahoo "
0 تعليق