belbalady.net وفي ضوء هذا التطور، تُثار تساؤلات جوهرية حول الآفاق المستقبلية والآثار الاقتصادية المترتبة على هذا الانفتاح، فما هي الفرص الحقيقية للتنمية وإعادة الإعمار التي قد تنشأ في سوريا، وهل سيضع رفع العقوبات الاقتصاد السوري بالفعل على طريق التعافي المنشود؟
فرص الانفتاح الاقتصادي الجديد
يُشير الأمر التنفيذي الأخير الصادر عن الرئيس الأميركي، والذي أُعلن عنه في 23 مايو 2025، إلى تحول جوهري في السياسة الأميركية تجاه سوريا.
هذا القرار، الذي جاء استجابة لما وُصف بـ"الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة خلال الأشهر الستة الماضية، ألغى عدداً من الأوامر التنفيذية السابقة التي كانت تشكل الأساس القانوني للعقوبات منذ عام 2004.
ومن المرجح أن تسهم هذه الخطوة في إعادة دمج سوريا تدريجياً ضمن النظام المالي العالمي، منهية فترة طويلة من العزلة الاقتصادية. إذ بحسب ما صرّح به مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأميركية، فإن هذا الإجراء "سيمهد الطريق للتجارة والاستثمار من المنطقة وأميركا"، الأمر الذي يُشكل دافعاً قوياً لتدفق رؤوس الأموال الأجنبية.
كما أن الإشارة إلى مراجعة أميركا لتصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، نقلاً عن مسؤول أميركي لرويترز، يُمكن أن يُقلل من المخاطر المتصورة للمستثمرين الدوليين ويُعزز ثقتهم بالبيئة الاستثمارية، مما يُمكن أن يُسرع من وتيرة دخول الشركات وإقامة المشاريع التنموية.
وتُعتبر عملية إعادة الإعمار الشاملة في سوريا محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي بعد سنوات من الصراع.
إن رفع العقوبات يفتح الباب أمام استئناف المشاريع الكبرى في قطاعات حيوية كالبنية التحتية، الطاقة، والنقل، بالإضافة إلى تعزيز القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة.
ويُمكن أن يُسهم هذا الانفتاح في خلق فرص عمل جديدة وتحسين الظروف المعيشية للسكان، حيث يُؤكد نص القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية التزام واشنطن بدعم "سوريا مستقرة وموحدة، تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها"، بما يدعم الأمن والازدهار الإقليميين، مما يُشير إلى رؤية أوسع للانفتاح تسهم في تحقيق تنمية مستدامة على المدى الطويل.
وأكد البيت الأبيض أن العقوبات ستُرفع اعتباراً من الأول من يوليو، على أن "تبقى القيود قائمة بحق كل من ثبت تورطه في انتهاكات حقوق الإنسان، أو التورط بتهريب المخدرات، أو الأنشطة الكيميائية، أو الانتماء لتنظيم "داعش"، أو الارتباط بالوكلاء الإيرانيين"، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، إن هذا القرار يأتي ضمن "جهود الرئيس ترامب لتعزيز مسار السلام في سوريا".
ترحيب الحكومة السورية
ورحب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، بالخطوة الأميركية قائلاً "نُرحب بإلغاء الجزء الأكبر من برنامج العقوبات المفروضة على الجمهورية العربية السورية، بموجب القرار التنفيذي التاريخي الصادر عن الرئيس ترامب، يمثل هذا القرار نقطة تحول مهمة من شأنها أن تُسهم في دفع سوريا نحو مرحلة جديدة من الازدهار والاستقرار والانفتاح على المجتمع الدولي".
وكتب الشيباني على منصة إكس "وبرفع هذا العائق الكبير أمام التعافي الاقتصادي، تُفتح أبواب إعادة الإعمار والتنمية التي طال انتظارها، وتأهيل البُنى التحتية الحيوية، بما يوفّر الظروف اللازمة للعودة الكريمة والآمنة للمهجرين السوريين إلى وطنهم".
ويشار إلى أنه على الرغم من أن ترامب يمتلك صلاحية تعديل العقوبات المفروضة بأوامر تنفيذية، فإن الإلغاء الكامل سيظل مشروطاً بإلغاء "قانون قيصر" الذي أقره الكونغرس عام 2019.
هذا القانون لا يزال سارياً، ويمنع أي كيان من التعامل اقتصادياً مع الحكومة السورية دون التعرض لعقوبات أميركية.
غير أن إدارة ترامب منحت الشهر الماضي إعفاء لمدة ستة أشهر من قانون قيصر، بالإضافة إلى رخصة عامة تسمح بإجراء معاملات كانت محظورة سابقاً، بما في ذلك التعامل مع البنك المركزي السوري ومؤسسات حكومية أخرى، حيث قدّم أعضاء من الحزبين في الكونغرس مشروع قانون لإلغاء قانون قيصر.
وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، إن القرار "يوفّر فرصة لإعادة تشغيل الاقتصاد السوري"، مضيفاً أن واشنطن ستدعم مشاريع البنية التحتية والتنمية التي تتماشى مع المعايير الأميركية والدولية".
فرص التنمية وإعادة الإعمار أصبحت أكثر واقعية
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي السوري، الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي: "شهدت الساحة السورية تحولاً لافتاً بعد قرار الرئيس ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وهو قرار يحمل معه الكثير من الترقب والآمال، لكنه جاء أيضاً مشروطاً بسلسلة من الضوابط والإجراءات. في ظل هذا الانفتاح الأميركي، تبدو فرص التنمية وإعادة الإعمار في سوريا أكثر واقعية من أي وقت مضى".
وأضاف الدكتور المصبح: "من المنتظر أن يشكل تخفيف القيود المالية والتجارية دفعة قوية لعودة رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، لا سيما في قطاعات البنية التحتية، والطاقة، والعقارات، والنقل. هذه القطاعات التي تضررت بشكل بالغ خلال سنوات الحرب، باتت اليوم أمام فرصة لاستعادة جزء من عافيتها، مع إمكانية إصلاح الطرق والمستشفيات والمدارس، وإطلاق مشاريع جديدة بدعم من المساعدات الدولية التي كانت معطلة بفعل العقوبات".
ومع ذلك، يرى المصبح أن هذا الانفتاح الأميركي لا يخلو من التحديات، إذ ما تزال بعض العقوبات قائمة على شخصيات وكيانات مرتبطة بالنظام المخلوع ومعنية بشكل مباشر بانتهاكات خطيرة، كما أن التنفيذ الفعلي لرفع العقوبات يتطلب وضوحاً في الإجراءات، خصوصاً فيما يتعلق بالتحويلات المالية والتعاملات المصرفية. يضاف إلى ذلك أن الأزمات الاقتصادية التي تراكمت خلال أكثر من عقد من الحرب لا يمكن تجاوزها بسهولة، ما يجعل من عملية التنمية وإعادة الإعمار مساراً طويلاً يتطلب جهوداً استثنائية وتعاوناً دولياً واسعاً.
خطوة أولى نحو التعافي الاقتصادي
أما فيما يتعلق بآفاق التعافي الاقتصادي، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور المصبح، أن رفع العقوبات الأميركية يضع سوريا فعلاً على بداية طريق التعافي، لكن هذا الطريق لا يزال محفوفاً بالتحديات. كما أن تخفيف القيود على دخول السلع الأساسية والخدمات من شأنه أن يخفف من معاناة السوريين، ويعيد بعض الأمل إلى الأسواق المحلية. هناك أيضاً بوادر تعاون إقليمي ودولي، لجهود الاستقرار في سوريا.
مع ذلك، فإن التعافي الاقتصادي الحقيقي يتطلب أكثر من مجرد رفع العقوبات. فمكافحة الفساد، وضمان الشفافية في إدارة الموارد ومشاريع الإعمار، وتوفير بيئة آمنة للاستثمار، كلها شروط أساسية لضمان استدامة أي انتعاش اقتصادي، بحسب تعبيره.
كما أشار إلى أن “استمرار التوترات الأمنية والسياسية (والتي هي في الواقع أقل بكثير ما هو متوقع في حالة دولة مثل سورية) قد يحد من قدرة سوريا على جذب الاستثمارات الكبرى، ويبطئ من وتيرة التعافي. لذا، يمكن القول إن رفع العقوبات يشكل نقطة انطلاق مهمة، لكنه ليس الحل السحري، بل خطوة أولى تحتاج إلى سياسات اقتصادية متكاملة وإصلاحات عميقة لضمان عودة سوريا إلى مسار الاستقرار والنمو".
رفع العقوبات والعلاقة الاقتصادية بين سوريا والدول الغربية
بدوره، أكد الباحث الاقتصادي المختص بالشأن السوري، عصام تيزيني، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن قرار رفع العقوبات يأتي ضمن مسار انفتاح متكامل بين سوريا والغرب، ويعبّر عن تحوّل نوعي في السياسة الغربية تجاه دمشق.
وقال تيزيني إن "عملية الانفتاح ماضية، والفرص الاقتصادية محققة حتماً، لأن العمل بين سوريا والدول الغربية يسير على قدم وساق في مختلف المجالات".
وأوضح أن "قرار رفع العقوبات اتُخذ فعلياً، ولا عودة عنه، وما تبقى من إجراءات قانونية أو شروط تنفيذية أميركية ما هو إلا تفاصيل تُشكل غطاءً قانونياً وإجرائياً لهذا الانفتاح الكبير".
واعتبر أن هذه الخطوة تمهّد لمأسسة العلاقة الاقتصادية بين سوريا والدول الغربية، وتشكل بداية لمسار طويل نحو التعافي الاقتصادي. وأضاف: "سوريا وُضعت فعلياً على طريق التعافي، لكن هذا المسار يتطلب وقتاً، وبناءً قانونياً تدريجياً، وهو ما سيحتاج إلى صيرورة زمنية واضحة".
وختم تيزيني تصريحه بالتأكيد على أن "التعافي الاقتصادي سيكون أحد أبرز ثمار هذا الانفتاح الغربي، وأن استدامة هذا التوجه ستخلق بيئة خصبة لإعادة الإعمار والتنمية طويلة الأمد".
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" yahoo "
0 تعليق