بالرغم من إعلان وقف القتال بين إيران، وإسرائيل، إلا أن سماء البلدين لا تزال مشتعلة، فلم تنته الضربات المتبادلة بين الجانبين، ولا تزال التهديدات والتحذيرات بينهما قائمة، فى الوقت الذى بدأت أمريكا تمارس دور العقلانى الباحث عن استقرار تام فى منطقة الشرق الأوسط، وعاد من جديد داعيًا لوقف إطلاق النار، بينما تشتعل بورصة التوقعات بشأن الحرب «الإيرانية - الإسرائيلية»، وهل ستنتهى خلال ساعات، أم أنه ستبدأ فصولا جديدا منها، وما يخشاه العالم أن تلجأ إيران إلى تنفيذ تهديداتها بغلق مضيق هرمز، وهو ما يتبعه شلل تام فى الحركة الملاحية وتأثر الدول الأوروبية فى السفن والبضائع المتوجهة إليها والتى تحمل البترول، مما يهدد مصالح الدول الأوروبية، وشهدت الأحداث الأخيرة إعلان الصين دعم إيران فى الحفاظ على أمنها واستقرارها، وهو ما جعل البعض يتوقع مساندة الصين لإيران فى ضرباتها العسكرية ضد أمريكا وإسرائيل.. «الزمان»، تستعرض بعض الجوانب الهامة فى الحرب الإيرانية - الإسرائيلية، من خلال مناقشة عدة عناصر منها «كيفية تعامل إيران مع الملف النووى، بعد استهداف علمائها والمحطات النووية، بالإضافة إلى مستقبل الخريطة الاقتصادية والسيناريوهات المصاحبة لغلق مضيق هرمز وتأثير النفط العالمى، فضلا عن استعراض جوانب من خسائر إيران، وإسرائيل بسبب الحرب، وعلاقة إيران بدول الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط، والسطور التالية تحمل تفاصيل أكثر.صواريخ إيران وتعكير صفو قطر على الرغم من مشاهد القصف التى نفذتها إيران على القواعد الأمريكية فى قطر، إلا أن السيناريوهات المطروحة حاليًا بعضها يؤكد أن العلاقة بين إيران وقطر، لم تتأثر فى الوقت الذى أعلنت قطر، رفضها لما حدث، إلا أن البعض يؤكد أن الرفض المعلن متفق عليه، وأن الضربة ذاتها تم الاتفاق عليها حفاظًا على ماء وجه إيران، وفى المقابل يرجح فريق آخر أن إيران خسرت الدعم المتوقع من الدول العربية وخاصة دول الجوار، بسبب ما أقدمت عليه فى قطر. مواجهات طهران وتل أبيبخســائر فادحــة وصمت رسمى يثير القلق الدولى اندلعت الحرب المباشرة بين إيران، وإسرائيل بعد سنوات من التصعيدات المتبادلة وحروب الوكالة، لتتحول إلى مواجهة مفتوحة، وقاسية خلفت خسائر كبيرة فى الأرواح والبنى التحتية، وأثارت قلقًا عالميًا واسع المجال بشأن احتمال تفجّر المنطقة بأكملها، وبينما لا تزال تفاصيل الخسائر تظهر لحظة بعد الأخرى وسط تعتيم رسمى من الطرفين، تشير التقديرات الأولية إلى أن هذه الحرب كلفت الطرفين تكاليف باهظة إنسانيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا.وكانت إسرائيل قد استهدفت منشآت عسكرية واستراتيجية فى العمق الإيرانى، أبرزها قواعد صاروخية ومراكز قيادة فى طهران وأصفهان وشيراز، فضلًا عن منشآت للطاقة تم قصفها فى الأحواز، مما أدى إلى انقطاع واسع للكهرباء وخسائر مادية ضخمة.وكشفت تقارير غير رسمية مقتل أكثر من 400 عنصر من الحرس الثورى الإيرانى، بينهم قادة كبار، بالإضافة إلى مئات المصابين، مع دمار واسع طال البنية التحتية الدفاعية، ومراكز أبحاث ومخازن أسلحة استراتيجية.من جانبه يوضح الخبير العسكرى الإيرانى العميد المتقاعد داوود كريمى، أن ما تعرضت له إيران خلال هذه المواجهة يتجاوز الاعتداءات السابقة من حيث الحجم والدقة، متابعًا: «لقد تلقينا ضربة موجعة على صعيد القدرات الجوية والردعية، لكنها لن تكون النهاية».واعترفت الحكومة الإيرانية بتعليق مؤقت لبرنامجها النووى فى منشأة نطنز بعد تعرضها لهجمات سيبرانية وجوية مركّزة، وهو ما اعتبرته طهران عملاً عدائيًا مدعومًا من قوى غربية.إسرائيل تدفع ثمن المواجهات فى منشآت عسكرية والسلاح الجوى وفى المقابل، لم تكن إسرائيل بمنأى عن الضربات، حيث أعلنت هيئة الجبهة الداخلية عن إصابة أكثر من 200 مدنى جراء القصف الإيرانى الذى طال تل أبيب وحيفا ومناطق فى الجليل، بينها منشآت عسكرية ومطار بن غوريون الذى توقف عن العمل لساعات.وقد تسببت صواريخ «أرض – أرض» الإيرانية فى دمار جزئى لعدة قواعد جوية، أبرزها قاعدة «نفاطيم”، مما أدى إلى مقتل عدد من الجنود، وتسجيل خسائر فى الطائرات العسكرية. ووفقًا لتصريحات خبير الأمن القومى الإسرائيلى، الجنرال المتقاعد عوزى إيفن، فالهجوم الإيرانى أظهر ثغرات غير مسبوقة فى نظام الدفاع الإسرائيلى، خاصة فى مواجهة الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، وترك أثرًا نفسيًا عميقًا على المواطنين.وتأثرت البورصة الإسرائيلية، حيث شهدت تراجعًا حادًا، وخسرت شركات كبرى مليارات الدولارات بسبب حالة الذعر وحظر الطيران المؤقت.المجتمع الدولى يحذر من تفاقم الأوضاع والأمم المتحدة تدعو لوقف إطلاق الناروسط هذا التصعيد، أطلق المجتمع الدولى تحذيرات من تفاقم الأوضاع، حيث دعت الأمم المتحدة إلى الوقف الفورى لإطلاق النار، وأعرب الاتحاد الأوروبى عن “قلقه البالغ من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة”.من جانبه، قال الرئيس الأمريكى جو بايدن: “نعمل على تهدئة الجانبين وتفادى كارثة أكبر، وأمن إسرائيل مهم لنا، لكن لا بد من منع اندلاع حرب واسعة فى الشرق الأوسط”.ورغم حالة الهدوء الحذر بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بوساطة دولية، فإن آثار الحرب بين إيران وإسرائيل لا تزال ماثلة على الأرض. خسائر فادحة، أرواح أزهقت، وبنية عسكرية وأمنية اختُرقت، فى مشهد يعكس هشاشة الأمن الإقليمى، ويطرح تساؤلات خطيرة حول الجولة المقبلة فى صراع لم ينتهِ بعد، بل ربما بدأ لتوّه.آثار التدمير تطول دول الجوارالحرب بين إيران وإسرائيل لم تقتصر تداعياتها على البلدين فقط، بل امتدت آثارها إلى عدد من الدول المجاورة، وخلقت حالة من التوتر الأمنى والعسكرى فى عموم الشرق الأوسط، فقد شهدت الحدود اللبنانية-الإسرائيلية تصعيدًا من قبل «حزب الله»، الذى أعلن دعمه لإيران وشارك فى إطلاق صواريخ تجاه مستوطنات الجليل، مما تسبب فى عمليات إجلاء واسعة للسكان فى شمال إسرائيل.اضطرابات كبيرة فى سوق الطاقة العالمية جاءت الحرب فى توقيت حساس للعالم، وسط اضطرابات سوق الطاقة العالمية، إذ ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، متجاوزة حاجز الـ100 دولار للبرميل، بسبب مخاوف من إغلاق مضيق هرمز، الذى يمر عبره نحو 30% من صادرات النفط العالمية.وتعرض الاقتصاد الإيرانى لمزيد من الإنهاك، نتيجة العقوبات المستمرة وتكاليف الحرب، فضلًا عن توقف مؤقت لبعض صادرات الغاز إلى الدول المجاورة. أما فى إسرائيل، فقد تضررت قطاعات السياحة والطيران والاستثمار المباشر، وانخفض مؤشر «تل أبيب 35» بأكثر من 7% خلال أيام قليلة.وصرح المحلل الاقتصادى العالمى “مارك دويل” فى تقرير لمؤسسة “بلومبيرغ”، بأن أى حرب بين دولتين بحجم إيران وإسرائيل تعنى اضطرابًا فى أسواق الطاقة والمال العالمية، وهو ما نشهده الآن بشكل واضح، وقد تمتد تبعاته إلى أشهر قادمة.حالة من الغضب والانقسام تضرب صفوف الإيرانيين والإسرائيليين ولم تختلف حالة الغضب التى أصابت الشعب الإيرانى، عن حالة الغضب التى اجتاحت شعب إسرائيل، فمن جهة الشعب الإيرانى، سادت حالة من الغضب والانقسام، بين من يحمّل الحكومة مسؤولية الزجّ بالبلاد فى حرب غير متكافئة، ومن يرفع شعار “الثأر للشهداء». وشهدت عدة مدن تظاهرات محدودة طالبت بوقف التصعيد، وتحسين الأوضاع الداخلية المتدهورة. أما فى إسرائيل، فقد تعالت أصوات تطالب بمساءلة الحكومة، خاصة بعد ما وصف بـ»الاختراق غير المسبوق” للدفاعات الجوية، وواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو موجة انتقادات داخلية، وسط دعوات لإجراء تحقيق برلمانى حول الأداء العسكرى فى الحرب.وقالت النائبة الإسرائيلية المعارضة «ميراف ميخائيلي”، إن المواطنين فى الجنوب والشمال يدفعون ثمن قرارات غير محسوبة، فما حدث يكشف فشلًا فى التقدير السياسى والعسكرى، ويجب أن نواجه الحقائق بشجاعة. «هرمز» شريان الطاقة العالمى وسلاح إيران الاستراتيجى فى ظل تصاعد الحرب بين طهران وتل أبيب، خاصة بعد ضرب الولايات المتحدة منشآت نووية إيرانية، برزت تهديدات إيران مجددًا بإغلاق مضيق هرمز كورقة ضغط استراتيجية، ولعل تكرار هذه التهديدات لا يأتى من فراغ، بل ينبع من إدراك طهران لحجم التأثير الاقتصادى والأمنى الذى قد ينجم عن إغلاق المضيق، سواء على أسواق الطاقة العالمية أو على مصالح الدول الغربية فى المنطقة.شريان طاقة عالمى يتحكم فى 30 % من نفط العالموفى هذا السياق، قال الدكتور السيد الصيفى، أستاذ التمويل والاستثمار، والعميد السابق لكلية الأعمال بجامعة الإسكندرية، إن إغلاق مضيق هرمز، الذى يمر عبره حوالى 20 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات والوقود، أى ما يعادل 20% من استهلاك السوائل البترولية العالمى، و25% من إمدادات الغاز الطبيعى المسال، يشكل تهديداً كبيراً على الاقتصاد العالمى والاستقرار الجيوسياسى.وكشف أن إغلاق المضيق بالنسبة لمصر، سيؤثر أيضاً على اقتصادها المعتمد على قناة السويس، التى تدر إيرادات سنوية تصل إلى 9.4 مليار دولار (2024)، حيث تمر عبرها حوالى 12% من التجارة العالمية، بما فى ذلك النفط القادم من الخليج، كما أن مصر، التى تستورد حوالى 60% من احتياجاتها النفطية والغازية، ستواجه ارتفاعاً فى أسعار الطاقة، مما سيرفع تكاليف الوقود والكهرباء، ويزيد من التضخم الذى بلغ 26% فى 2024.وأضاف، أنه سيؤثر على أسعار السلع الأساسية، مما يضغط على المواطنين فى بلد يواجه أصلاً من تحديات اقتصادية، علاوة على ذلك، التوترات العسكرية المحتملة قد تعرض الأمن فى البحر الأحمر للخطر، مما يزيد من المخاطر على قناة السويس.أما عن امتداد التأثير على دول الخليج، يقول الدكتور السيد الصيفى، أستاذ التمويل والاستثمار، والعميد السابق لكلية الأعمال بجامعة الإسكندرية، إن السعودية، والإمارات، والكويت، والعراق، وقطر، ستكون الأكثر تضرراً، إذ تعتمد على المضيق لتصدير أكثر من 90% من نفطها وغازها، مشيرا إلى أن السعودية التى تصدّر حوالى 6.3 مليون برميل يومياً، والإمارات بـ2.5 مليون برميل، ستواجهان انخفاضاً حاداً فى الإيرادات، التى تشكل 70-90% من ميزانياتهما، فضلا عن خطوط الأنابيب البديلة، مثل بترولاين السعودى (5 ملايين برميل يومياً) وخط حبشان- الفجيرة الإماراتى (1.5 مليون برميل)، لا تستطيع تعويض الخسائر بالكامل، حيث تبلغ الطاقة الإضافية غير المستغلة 2.6 مليون برميل يومياً فقط، وهذا سيؤدى إلى عجز مالى كبير، مما قد يجبر هذه الدول على تقليص الإنفاق العام ومشاريع التنويع الاقتصادى، مثل رؤية السعودية 2030، كما أن التوترات العسكرية قد تؤدى إلى تصعيد إقليمى، خاصة مع إيران، مما يهدد الأمن القومى لهذه الدول.عواقب وخيمة وتداعيات مخيفة ويؤكد محمد مجدى عفيفى، رئيس حزب الأحرار الدستوريين والخبير الاقتصادى، أن غلق مضيق هرمز سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمى بشكل عام، وتتأثر به دولاً عدة بما فيها مصر، مشيراً إلى أنه لن يسلم من تداعيات قرار غلق المضيق الهام والاستراتيجى أوروبا ذاتها، والتى تعتمد على الخليج فى حوالى 15% من وارداتها النفطية و30% من الغاز الطبيعى المسال، فيما ستواجه أزمة طاقة حادة دول مثل ألمانيا وإيطاليا، التى زادت اعتمادها على الغاز المسال بعد تقليص الواردات الروسية، ما يزيد من مخاطر ونسب التضخم عالمياً.أزمة عالمية تضرب أسواق الطاقة وتتلاعب بأسعار الطاقة ويوضح عفيفى، أن خطورة القرار تكمن أيضاً فى إحداث أزمة طاقة عالمية غير مسبوقة على مستوى دول العالم وخاصة أوروبا وآسيا وتتمثل مظاهر التأثر فى النقص الحاد فى الإمدادات مما يهدد النمو الاقتصادى لتلك البلدان وارتفاع ملحوظ فى أسعار النفط والغاز والذى يؤدى بدوره إلى مضاعفة معدلات التضخم وزيادة تكاليف النقل والإنتاج على مستوى العالم. وحذر عفيفى، من ارتفاع أسعار الغذاء والاسعار الاساسية جراء اغلاق مضيق هرمز خاصة وان الدول الأكثر تضرراً بهذا الامر فى هذا المجال بالذات هى الدول النامية والفقيرة ولاسيما فى دول أفريقيا. ويشير المهندس على الدسوقى أحمد، عضو اللجنة الاقتصادية فى مجلس النواب، إلى أن تأثير غلق مضيق هرمز بالنسبة إلى مصر، لن يكون كبيراً خاصة أن مصر لا تعتمد بشكل كبير على هذا المضيق الحيوى فى التجارة الخارجية، وهو ما يُضعف التأثيرات المحتملة بالنسبة لمصر مقارنة ببقية البلدان خاصة دول الخليج.مصر تؤمن نفسها من أزمة غلق مضيق هرمزوأضاف، أنه على الرغم من تأثير غلق مضيق هرمز عالمياً ومحلياً بشكل غير مسبوق إلى أن مصر لديها عقود استيراد غاز مسال مؤمنة من مثل هذه المخاطر، إلا أن المعضلة ستكون فى الواردات النفطية لمصر بسبب الارتفاع المتوقع للأسعار جراء غلق المضيق، خاصة أن ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل سيزيد من عجز الموازنة العامة للدولة بنسبة كبيرة، وهو ما سيؤدى إلى صدمة تضخمية عالمية جديدة، خاصة وأن مضيق هرمز يمر خلاله حوالى 20 إلى 21 مليون برميل نفط ووقود يومياً.