إلهــام شرشر تكتب: قصة عيسى بن مريم [عليهما السلام]

جريدة الزمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

من معجزات المسيح عليه السلام، الباهرة التى أيده الله تعالى بها وأثبت بها صدق نبوته ورسالته، إلى ذاكرة التاريخ، التى تسكن فيها صورٌ مشحونةٌ بالدموع والألم والدهشة، ولا يكاد أحد يمرّ بها دون أن يشعر بقشعريرةٍ فى وجدانه، أو رعشةٍ فى أعماق روحه، وعلى رأس هذه الصور العظيمة التى خلدها القرآن الكريم، تتجلّى لنا مأساة المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام- مع قومه، الذيم كانوا جحدةً جفاة، غلاظ الأكباد، قست قلوبهم فصارت كالحجارة أو أشد قسوة، حتى بلغ الأمر بهم أم كانوا فى تكذيبهم لا يفرقون بين نبيٍّ صادقٍ ومفتَرٍ كذّاب، كانوا يكذّبون الحق إذا خالف هواهم، ويقتلون الأنبياء إن عارضوا سلطانهم.
إننا اليوم فى رحلة تأملٍ مطوّلة مع تلك اللحظة الفاصلة من سيرة المسيح عليه السلام، لاسيما وأننا نتأمل اليوم تكذيب قومه إياه، ومؤامرتهم على قتله، ومحاولتهم صلبه، كما نقف إن سنحت المساحة مع نهايته المشرقة التى شاءها الله تعالى –على عكس إرادتهم ومشيئتهم - فرفع نبيه إليه، ونجّاه من براثن الغدر، وأبقى ذكره طيّبًا إلى يوم الدين.
لقد كان المسيح عيسى - عليه السلام- آيةً من آيات الله فى خلقه، وبلاغًا واضحًا لا يحتاج إلى بلاغ، إذ وُلد من غير أب، فكان ظهوره إعلانًا للعالم أن الله على كل شيء قدير، وأنه سبحانه لا تقف أمام قدرته وإرادته سننٌ ولا أعراف.... كيف لا يكون إعلامًا للعالم كله، وقد بشرت الملائكة أمه الطاهرة به، فكانت البشارة ملائكية؟!!!!!!!
كيف لا يكون بلاغًا ودليلًا على قدرة الله ووحدانيته، وقد أنطقه الله وهو رضيع؟؟!!! كما حكى القرآن الكريم على لسان عيسى عليه السلام وهو فى مهده، فقال: {إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا}.
ها هو عيسى عليه السلام يشبّ فى كنف الطهر والنقاء، ويؤتيه الله العلم والحكمة والمعرفة فيبهر العقول، وينطق بكلمة الله فى بنى إسرائيل فيدعوهم إلى التوحيد، ويجدّد فيهم روح الشريعة، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، إلى الإيمان والعمل، إلى الرحمة والعدل، إلى الإخلاص والتواضع.......
ورغم كل هذه الآيات والدلالات، ورغم هذه الدعوة السماوية التى أيدها الله بمعجزاتٍ لا يملك أمامها القلب إلا أن يخشع، والعقل إلا أن ينحني، تبقى المفاجأة الكبرى أن هؤلاء القوم قد قابلوا نبيّهم بالتكذيب، وبدل أن يفرحوا بالنور الذى أتى إليهم، أشاحوا بوجوههم، وأغمضوا أعينهم، ووضعوا أصابعهم فى آذانهم، ثم أشعلوا نيران الحسد والكراهية، ومكروا مكرًا كبيرًا.
لكننا نتعلم من هذه القصة المباركة أن المكر لا يولد من فراغ وإنما يولد من رحم الصراع؛ إذ كان الزمان زمان استعمار، وكانت الغلبة فى أرض قومه تتأرجح بين الحكام والكهنة الذين انحرفوا بمساراتهم فضلّوا وأضلوا، الأمر الذى كان من الضرورى معه أن يأتى المسيح – عليه السلام- فى هذا الجو الملبد بالخرافات، والانحرافات العقدية، برسالةٍ التوحيد الصافية، التى كانت مزلزِلةً لهؤلاء فقد هُدّت معها أركان الزيف، وانتزعت القداسة من كهنةٍ استعبدوا الناس باسم الدين.
وبهذا يكون قد تبدّى لنا بوضوح سر حملة التشويه والتكفير التى أقاموه ضده، فاتهموه بالكذب والضلال، وطعنوا فى عرض أمه الطاهرة، ثم بدأوا يتآمرون، ويتقربون إلى الرومان، ويوغرون صدورهم ضده، حتى صاروا يحرضون على إعدامه بتهمة التمرّد على سلطة الإمبراطورية.
وهنا وفى المحن تظهر معادن الرجال، فها هم الحواريون تظهر معادنهم فى تلك اللحظة الفارقة، فمع زحمة الإنكار والتكذيب، وفى خضم الخوف والبطش، إذ بنورٍ خافتٍ يُشرق فى قلب الظلام، عندما تقدم نفر من بنى إسرائيل، عرفوا الحق، ولامس نور الرسالة أرواحهم، فآمنوا بعيسى وآزروه، وقالوا من قلوبهم {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
إنهم صفوة الصفوة، الذين ثبتوا حين انهار الناس، وجاهروا بالإيمان حين اختبأ الناس خلف مصالحهم..... كانوا قلةً فى العدد، عظماء فى المدد، مواقفهم تُسجّل بمداد الذهب، لأنها تنبع فى أحلك الظروف وأشد الأوقات حاجةً إلى مثل هذه المواقف.
لقد اختارهم الله ليكونوا عونًا لنبيه عيسى عليه السلام فى أصعب مراحل الدعوة/ لكنهم –رغم صدقهم– لم يكونوا يملكون القوة الكافية لردع مؤامرةٍ تنسجها نخبة دينية مخضرمة، وتحظى بدعم سياسى مدعوم بكل أنواع الدعم.
إلى هنا نكتفى لنستأنف الحديث فى المرة القادمة، حول المؤامرة، وقضية الصلب، لماذا يقولون بصلب المسيح؟؟؟ وكيف شُيّه لهم كما حكى القرآن؟؟؟؟؟ هذا ما سنتوقف معه فى العدد القادم، إن قدّر الله البقاء واللقاء.


رسالة الأبرار " 171"
قيام الليل مهر الحور
إذ كانت قراءة القرآن الكريم عملةً حقيقيةً تعدل مهر الحور العين، جزاءً وعطاءً من رب العالمين، وتفضُّلًا منه على عباده المحبين لكلامه المجيدين لأحكامه والتالين، وتحقيقًا لبشرى سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلوات والتسليم، فكذلك فضل التهجد وقيام الليل، من عرف فضله وثوابه تأبى عيناه أن تنام وتأبى قدماه الرقود، ولا عجب فأكبر الدلائل والقرائن على أن فضله كبير وثوابه جزيل أن الحبيب المصطفى والنبى المجتبى صلى الله عليه وسلم - رغم أن الله غفر له ما تقدّم من ذنبه- كان يقوم الليل حتى تتورّم قدماه، حتى إن الإمام البوصيرى استفتح باب مدحه صلى الله عليه وسلم فى بردته الشهيرة بقوله:
ظلمتُ سنّةَ من أحيا الظلام إلى
أن اشتكت قدماه الضُّرَّ من وَرَمِ
إنه القيام الذى من راجع التاريخ والسير لمس فيهما حرص الأنبياء والصحابة والأولياء على مر العصور والأزمان عليه، فهو معراج الأرواح، وسبيل رضى الكريم الفتّاح، كيف لا وقد دلّت الأخبار والآثار على ذلك، فقد روى بن سُحْنُون أنه قال: كان بمصر رجلٌ يقال له سعيد، وكانت له أم من المتعبدات، وكانت إذا قام يصلى بالليل تقوم والدته خلفه فإذا غلبه النوم ونعس تناديه والدته يا سعيد إنه لا ينام من يخاف النار، ويخطب الحور الحسان فيقوم مرعوبًا.
إنها العزيمةٌ فى أتم صورها وأبهاها، إنه الإقبال على الله قبل أن تأتى التى نشعر معها وكأننا لم نلبث إلا عشيةً أو ضُحاها، إنه القيام الذى تصحبه لذة القلوب، إنه القيام الذى أخبر حبيب العلّام عليه أفضل الصلاة والسلام أنه دأبُ الصالحين، وقربةٌ إلى الله تعالى رب العلمين.
إنه القيام الذى يتزامن مع وقت التنزُّل الإلهى ونداء الله على عباده ليقوموا إليه فيسألوه ما أرادوا، ويطلبوا منه ما يحتاجون، فأهله أهل الجنة كما أخبر الحق سبحانه وبلّغ الحبيب المصطفى، فحين سأله سيدنا معاذ: "يا نَبيَّ اللهِ، أخبِرْنى بعملٍ يُدخِلُنى الجنَّةَ، ويُباعِدُنى مِن النَّارِ" قال فيما قال: (وصَلاةُ الرَّجُلِ فى جَوفِ اللَّيلِ، ثُمَّ قَرَأَ: «تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».»
أبعد دخول الجنان، والفوز بالنعيم المقيم والحور العين فضل؟!!! القيام مفتاح أبواب الجنان وسبيل الفوز بالحور العين، يُروى عن ثابت أنه قال: كان أبى من القوَّامين الله فى سواد الليل، قال: رأيت ذات ليلة فى منامى امرأة لا تشبه النساء، فقلت لها: من أنت؟ فقالت حوراء أمة الله، فقلت لها: زوجينى نفسك فقالت له: اخطبنى من عند ربك وأمهرني، فقلت لها: وما مهرك؟ فقالت: طول التهجد.
وأنشدوا:
يا خاطب الحوراء فى خدرها … وطالبًا ذاك على قدرها
انهض بجد لا تكن وانيًا … وجاهد النفس على صبرها
وجانب الناس وارفضهم … وخالف الوحدة فى ذكرها
وقم إذا الليل بدا وجهه … وصم نهارًا فهو من مهرها
فلو رأيت عيناك إقبالها … وقد بدت رمانتا صدرها
وهى تماشى بين أترابها … وعقدها يشرق فى نحرها
لهان فى نفسك هذا الذى … تراه فى دنياك من زهرها

كما رُوى عن يحيى بن عيسى بن ضرار السعدى وكان قد بكا شوقًا إلى الله ستين عامًا، قال: رأيت كأن ضفة نهر تجرى بالمسك الأذفر، حافاته شجر اللؤلؤ وينبت من قصبان الذهب فإذا بِحور مزينات يقلن بصوتٍ واحد: سبحان المُسَبَّح بكل لسان، سبحان الموجود بكل مكان، سبحان الدائم فى كل زمان، سبحانه سبحانه، قال فقلت: من أنتن؟ قلن: خلق من خلق الله سبحانه، فقلت: ما تصنعن هنا؟ فقلن:
ذرانا إله العرش رب محمد … لقوم على الأقدام بالليل قُوّم
يناجون ربّ العالمين إلههم … وتسرى هموم القوم والناس نوّم
فقلت: بخٍ بخٍ لهؤلاء من هؤلاء لقد أقر الله أعينهم؟ فقلن: أما تعرفهم؟ فقلت: والله لا أعرفهم قلن: فإن هؤلاء المتهجدون بالليل أصحاب السهر
جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن ومن أهل القيام، الذين يتعبدون بالقيام ويقيمون بالقرآن والناس نيام، طمعًا فى رضى الرحمن، والفوز بشفاعة النبى العدنان عليه أفضل الصلوات والسلام.
دمتم فى رعاية الله وأمانه

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" جريدة الزمان "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??