: د. أحمد يوسف علي يكتب: تكوين جديد أم كيان جديد؟

almessa 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

 

 

في حديثه مساء السبت الماضي الموافق الحادي عشر من مايو لعام 2024، تحدث إسلام بحيري الذي استضافه عمرو أديب في برنامجه المشهور على إحدى القنوات المعروفة، عن “تكوين” وأبان الحوار عن عدة ملامح رئيسة حرص عليها إسلام بحيري لا بصفته الشخصية، ولكن بصفته أحد مؤسسي هذا الكيان الجديد. أول هذه الملامح أن تكوين كيان ذو أهداف كلية هي التسامح والحوار والتواصل مع الآخرين على كافة المستويات المحلية والعربية والإنسانية. وأن هذا الكيان ليس فئويا، ولا منحازا، ولا موجها ضد أفراد أو كيانات أو دول. وأنه ليس جمعية أهلية ولا يخضع لقانون العمل الأهلي، وأنه ذو صبغة قانونية منحتها إياه الدولة المصرية التي يعمل تحت مظلتها ويستمد شرعيته من شرعية الدولة التي قبلت أن يكون مقر هذا الكيان في عاصمتها، وأن “تكوين” مؤسسة وليست ناديا، أو جمعية، أو نقابة، وأن هذه المؤسسة لم تتبلور فكرة قيامها بين عشية وضحاها، بل استغرقت وقت طويلا قارب العامين لتظهر على الناس بالشكل والتكوين الذي ظهرت به. وأن هذه المؤسسة يقف وراءها عدد من رجال الأعمال الذين ينفقون عليها وعلى مقرها وبرامجها ومؤتمراتها ومنتجاتها الفكرية والثقافية، وأن هذه المؤسسة ستكون هادفة للربح بعد ذلك حين يقرر ممولوها ومجلس إدارتها في وقت لاحق، وأنهم عازمون على التوسع في مقارات هذه المؤسسة في عدد من عواصم الدول العربية أو غيرها.

ولنا على حديث بحيري عن مؤسسة “كيان” عدد من الملاحظات:

أولها: أن بحيري ورفقاءه أبراهيم عيسى ويوسف زيدان، هم الذين راحوا إلى إنشاء هذا الكيان الذي يجمع شتات العمل الفردي الذي عاش فيه كل واحد منهم، ونال ما نال من سهام النقد والتجريح، ولم يكن بد للخلاص من هذا الشتات إلا الانضواء تحت مظلة عمل جماعي مع أن لكل منهم نوافذه التي يطل منها على الناس، وأن هذه النوافذ على الرغم من شطط بعض تأويلاتهم، لم تغلق.

ثانيا: أن العمل الجماعي الذي اتجهوا إليه جعلوه وقفا عليهم وعلى من اختاروا من الشخصيات المشابهة في الرؤية والتأويل والهدف. فلم يختاروا أحدا خارج دائرتهم ليكون معهم في مجلس إدارة هذه المؤسسة الذي يرسم السياسات ويحدد الغايات والوسائل، كما يحدد مجالات النشاط، واحتكروا لأنفسهم حق التفرد بالتكوين والتأويل وتركوا لكل العقول حق أن تكون معنا أو حق أن تكتب ما تشاء للرد على ما نقدمه من موضوعات وبرامج. فهم أشبه بقائد الفرقة الموسيقية الذي لا يخالفه عازف في الخط الرئيسي العام

ثالثا: أنهم توسعوا في الأهداف والغايات حتى يجدوا لخطابهم قبولا ورواجا ومشاركة. فخرجوا عن حدود الدائرة التي عاشوا فيها وهم فرادي وهي دائرة التأويل الصادم لمقولات فكرية وعقائدية وتاريخية في الفكر العربي والإسلامي، وأعلنوا أن المجال البحثي والمعرفي للمؤسسة “تكوين” هو الفكر والفنون والأداب وكل مكونات الثقافة. وأن الهدف هو تكوين العقل الناقد وتنمية الجرأة على الشك والتمرد والرفض

رابعا: أنهم أبقوا على المقولة المركزية وهي نقد الفكر الديني والتاريخي وتقويضه بوصفه فكريا بشريا وليس كتابا منزلا. تلك هي المقولة التي اشتغل عليها كل منهم وحقق لنفسه شهرة فيها بالمخالفة والمعاندة والمكايدة أحيانا. وجعلوا كل المقولات الأخرى في الفكر والفنون والآداب مجالا جاذبا للأنصار ومحققا لشمولية ما يهدفون إليه وهو تحقيق النهضة التي تتصل بنقد الماضي كما تتصل بنقد الحاضر.

خامسا: أن هذا الكيان الجديد كيان مواز لكيانات الدولة القائمة في الثقافة والفكر والدين والعمل المدني. فالدولة تعرف مصادر تمويل مؤسساتها، كما تعرف مصادر تمويل مؤسسات العمل المدني. والعجيب أن مجلس إدارة مؤسسة” تكوين” اكتفى بالقول إن بعض رجال الأعمال هم الذي ينفقون. وهذا قول لا يكفي ولايتفق مع منطق هؤلاء الذين يحرصون على النقد والشفافية والوضوح. فلماذا لا يعلنون نص الترخيص الممنوح لهم من الدولة ويعلنون أسماء رجال الاعمال الممولين، ويعلنون الهيكل المالي لهذه المؤسسة من رواتب وأجور ومكافآت وأوجه الإنفاق الأخرى.

سادسا: أن هذا الكيان الجديد على الرغم من جرأته على النقد التاريخي، لم يشر ولو من بعيد إلى النقد السياسي، ولم يصدر عنه بيان ينتقد موقف أمريكا مما يحدث في غزة ولا في فلسطين عامة ولا مما يحدث في السودان أو في سوريا أو في اليمن أو في أثيوبيا ضد مصر. فالعقل النقدي لا يتجزأ ولا يتلفع بكوفية التاريخ ليهرب من نار الواقع المعاصر

سابعا: أن هذا الكيان المؤسسي الجديد يدعم تأويلاته في نقد الفكر الديني بفقه وهابي كما ذكر البحيري في حديثه، ويتغزل فيه، ويصف الفكر الأشعري بالرجعية وهو الفكر الذي تحترمه مؤسسة الأزهر. فيا ترى لو كان الأزهر ميسور الحال ولديه وفرة في الجاه والمال، فهل كنا نرى منهم من يتغزل فيه ويخطب وده؟

ثامنا: أعلن البحيري أن النص الأوحد للإسلام هو القرآن وهذا صحيح في إشارة إلى نفي ما عداه من سرديات تاريخية، فهل للقرآن لسان ناطق يقول لنا ما مراد الله فنأخذ به دون تردد أو أن القرآن نص إلهي محكم يتسم بالدقة والإحاطة والشمول، ولكي نفهمه علينا أن نفقه اللغة أولا ثم لغته ثانيا، ثم فقه السياق الاجتماعي والمعرفي حتى نصل إلى معرفة جديدة هي إجابات عن أسئلة جديدة يطرحها زمننا كما طرحتها الأزمان السابفة؟ أقول هذا لأن العودة للقرآن مع نفي تاريخه جرم في حق القرآن وحق الإنسان. فإذا انتقدت سيرة ابن هشام، فإن هذا الانتقاد لا يعني حرقها وإقصاءها، ولا يعني أن أستمد سيرة رسولنا الكريم من القرآن وحده. فالسيرة شأن تاريخي. وآيات القرآن شأن تأويلي.

تاسعا: هل هذا الكيان الجديد كيان بديل لملء الفراغ الذي حدث بعد تقلص دور الأحزاب وتخبط مؤسسات الفكر والثقافة؟ ولماذا أعلن عن ظهوره في هذا التوقيت وفي مكان هو الجامع الأكبر للآثار المصرية أعني المتحف المصري الجديد.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" almessa "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
close
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??